الشارع الكويتي والنازي
كتبت إحدى ناشطات حزب ديني معروف مقالا اوردت فيه مجموعة ملاحظات وتساؤلات، غلبت عليها السذاجة وشكلت نوعا من دس السم في العسلِ ولو لم تطلب مني 'كريمة' الرد لما كان هذا المقال.
قالت ان ليبراليي الكويت، ولا اعلم حقا اين هم؟، يريدون الحرية لأنفسهم ولكن لا يريدونها لغيرهمِ يؤمنون بحرية التفكير والمعتقد لأنفسهم ولكن لا يريدون الشيء نفسه للغير، يريدون ان يكونوا احرارا ويعيشوا من غير ضغط او اقصاء ولا استهزاء ولكنهم لا يريدون ذلك للآخرينِ ولكن من جهة اخرى كلما اشتدت شراستهم في الهجوم على 'المتأسلمين' ازدادت قاعدة هؤلاء اتساعا، وانقرضت قاعدتهم!! وتساءلت عن سبب تقبل الشارع للطرح الاسلامي ورفضه للطرح الليبرالي؟
لا ادري لماذا تبرعت هذه السيدة بتقديم النصح للمنتمين للتيار الليبرالي، وهي المعادية له، وتنبيههم لحقيقة ان شراسة طرحهم تدفع بالشارع للارتماء في احضان التيار الآخر، فمن وجهة نظر دينية لم يكن مقبولا منها تقديم النصيحة لهم بالتقليل من شراستهم وتهجمهم على المتأسلمين من جماعتهاِ وكان حريا بها عدم تنبيههم لهذه النقطة لكي تستمر شراستهم وبالتالي تتسع قاعدة الدينيين اكثر واكثر، كما ادعت!! وهذا اول اخطائها، او خطاياها، من وجهة نظر دينية بحتة.
تقول كذلك، وبكل سذاجة، ان الليبرالي لا يريد حرية المعتقد لغيره!! ولو عرفت هذه السيدة معنى كلمة liberal، المشتقة من كلمة الحرية، والتي تشمل حرية المعتقد والكرم والتسامح وعدم التعصب لفكرة ما وتأييد النظم الديموقراطية والاقتصادية والمناداة بالحرية الفردية، وهذه جميعها عكس ما ذكرته تماما، لما تورطت في هذا الاتهام الساذج، ولما استعملت هذه الكلمة بالذات، ولاستبدلتها مثلا ب'خصوم التيار المتأسلم'!
فإذا كان الليبرالي الكويتي لا يريد الحرية لغيره ولا الاحترام لخصومه ولا يرغب في منحهم حرية المعتقد، فما هو اذا موقف الطرف الاخر من هذه القضايا؟ سؤال نترك جوابه لفطنة القارئة والقارئ.
تقول كذلك ان تقبل الشارع للطرح الاسلامي ورفضه للطرح الليبرالي كان مثار نقاش بين الليبراليينِ ولابد انهم توصلوا الى حقيقة ان الجانب الآخر اكثر تنظيما واكثر اخلاصا ويخاطبون الفطرة السليمة التي تجعل 'الشارع' يقتنع بفكرهم وطرحهم واسلوبهم!
اولا: اذا كان الشارع، والذي يمثل المجتمع برمته، مع الطرح الاسلامي فلماذا كلفت هذه السيدة اصلا نفسها كتابة هذا المقال المتشنج؟
ثانيا: كون الطرف الآخر المعادي لليبرالية وقضايا التحرر والديموقراطية في الكويت اكثر تنظيما وجذبا للشارع، وهذا ما يعترف به الليبرالي قبل غيره، فإنه لا يعني بالضرورة ان التيار المعادي لليبرالية في الكويت على حقِ فالتنظيم الذي يقود الشارع الكويتي هو وليد العمل الحزبي المدعوم بفكر اخواني خارجي منظم من جهة وقوة مالية سمحت لهم، وليس لغيرهم، بجمعه وصرفه بالطريقة التي حلت لهم دون سؤال، وهذا ما كان محرما على غيرهم طوال العقود الاربعة الماضية، والشواهد على ذلك كثيرة!
اما كون الشارع يميل الى هذا الاتجاه دون غيره فلا يعني هذا صحة هذا الاتجاه من عدمهِ فالجماهير عادة ما تقاد باهوائها وليس بعقولها، وللدعاية الذكية تأثير هائل على تصرفاتهاِ ولو كانت ميول الشارع تمثل الحق والصواب دائما لما دانت 'شوارع' المانيا لنازية هتلر، وشوارع ايطاليا لفاشية موسيليني، وشوارع العرب لناصر في اكثر من معركة وفكر خاسر!
ما تريده الحركة الليبرالية في الكويت، لكي تثبت وجودها وتتمكن من تحرير 'الشارع' من خاطفيه من قوى التخلف، والنجاح في انتشاله من الدرك الاسفل الذي وضعوه فيه، هو السماح لها بإطار قانوني اولا وبعشر ما تحصل عليه الانشطة الحزبية الدينية من مال واقل من ذلك حرية تحرك ثانيا! فعدد الاحزاب الليبرالية، ان وجدت، مقارنة بأكثر من مائة وخمسين جمعية وهيئة ولجنة دينية مسيسة حتى النخاع امر مثير للعجب، وعدد الصفحات التي تخصص لناشطي الفكر الليبرالي مقارنة بما هو متاح امام التيار الاخر، امر محير اخر.
وربما لا تعلم هذه السيدة، وغيرها كثيرون، ان تاريخ الصحافة في الكويت لم يشهد قيام طرف ليبرالي او تاجر مؤمن بفكرهم بتهديد مطبوعة ما بقطع اعلاناته التجارية عنها ان هي مالت نحو المتأسلمين.
ولكن المطلع على خفايا عالم الاعلان، والمراقب لاعلانات شركات وتجار معينين، يعلم جيدا ان هناك حظرا وصدا منهم عن صحف محددة لمصلحة صحف اخرىِِ وفهمكم هنا ايضا اكثر من كاف!