كلمة في وداع جبران
لاتزال الدموع تملأ عيني، والبعض منها يغالبني ويتساقط على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، حزنا، بعد ان تابعت على التلفزيون مراسم دفن شهيد الكلمة الحرة الزميل جبران غسان تويني، على رحيل هذا الانسان!
لقد كان وقع اغتيال الشهيد 'جبران' على نفسي واعصابي أعظم بكثير من وقع اغتيال الشهيد والرجل العظيم رفيق الحريري، فقد بينت جريمة قتل جبران ان مأساة لبنان اعمق بكثير مما كنا نتصور! وان مأساة الشعوب العربية من العراق الى سوريا مرورا بلبنان ومصر والكويت والسعودية والمغرب والاردن وليبيا، دعوا عنكم اليمن والامارات وتونس والجزائر وبقية الجوقة، تكمن في عدم تقدير الكثيرين منا لما تعنيه كلمات مثل 'الحرية' و'الكرامة' في النفس البشرية، بعد ان تغلغلت وترسخت، من خلال نصوص محددة، مفاهيم العبودية لنفوسنا على مدى اجيال واجيال بحيث اصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا وتكويننا النفسيِ
ان الشهيد جبران لم يمتلك جيشا ليحارب به اعداء لبنان واعداءه الشخصيين بسبب مواقفه المعروفةِ كما لم يمتلك ثراء ماديا يكفي لشراء ولاء من بيتوا نية الشر له ولوطنه، بل انحصرت قوته في رأي حر واصرار اكثر قوة على توظيف كافة قدراته الكتابية وصحيفته لنصرة قضية وطنه المحتلِ
مات 'جبران' الصحافي النظيف الذي لم تتلون مواقفه طيلة سنوات احتلال القوات الاجنبية لوطنه، مات بعد وقته بكثير وقبل وقته بأكثر!
فقد توقع له الكثيرون منذ سنوات جاوزت الخمس عشرة، وكنت احدهم، ان يلقى حتفه في اي يوم، بطريقة أو بأخرى، بسبب مواقف 'النهار' وافتتاحيات 'النهار' ومقالات 'النهار'!
ولكن لسبب ما أبقوا عليه حيا حتى ظهر يوم الاثنين الاسودِ
ومات قبل وقته لان من قتله لاشك انه يخطط للمستقبل، ليوم عودته من الشباك لحكم لبنان، بطريقة او بأخرى، بعد ان خرج من البابِ وعندما يأتي ذلك اليوم، وبحساباتهم هو لاشك آت، فإنهم لا يودون سماع اصوات اولئك الذين لم يرضخوا لهم قط، وما اقلهم، وكان على رأسهم الشهيد جبران ووالده العملاق غسان توينيِ
ربما كان رحيل رفيق الحريري ورفاقه من الشهداء ضروريا لتطهير لبنان من دنس الاحتلالِ وربما كان رحيل جبران تويني ضروريا ايضا لتطهير لبنان من سبة التعاون التي علقت بشعبه لسنوات حتى كدنا نفقد الامل بتميز هذا الشعب وبوجود من يحب وطنه حقا من بينهم، بعد ان اصبح لبنان لفترة طويلة، او كاد يكون، وطنا ثانيا، واحيانا ثالثا، للكثير الكثير من اللبنانيين!
المعذرة على هذا القول، ولكن حبنا الصادق للبنان وحجم الحزن الذي نشعر به نتيجة استشهاد جبران وبشاعة الجريمة التي اقترفت بحقه وحق اصحابه ومرافقيه، ومن سبقهم من شهداء وضحايا ابرياء، لم تترك لنا مجالا لمجاملة احد!