أين كانت 'مشاكوس'؟
بعد عشرين عاما من الحرب الاهلية الغبية والشرسة وسقوط اكثر من مليون ضحية من الشمال والجنوب والوسط، وتشرد ما يماثلهم في العدد، واصابة اكثر من نصف مليون بمختلف الاعاقات البدنية والعقلية وتخلف البلاد لقرون وخسارة مادية تجاوزت المائتي مليار دولار ضاعت كلها في صراع جنوني، وضعت الحرب الاهلية ـ بين مسلمي شمال السودان من جهة ومسيحيي ووثنيي الجنوب من جهة اخرى ـ أوزارها اخيرا بتوقيع اتفاق 'مشاكوس' بين نائب الرئىس السوداني عمر البشير وزعيم حركة تحرير السودان جون غارانغ!
لقد كان بإمكان زعماء السودان ايقاف هذه الحرب منذ اليوم الاول لنشوب حركة التمرد في الجنوب غير المسلم قبل عشرين عاما لو كان للمنطق مكان في عقول اولئك الزعماءِ ولكن التعصب الديني والفكر المنغلق اللذين سيطرا على عقول اولئك الزعماء حالا دون رؤيتهم لواقع الحال وتقدير الامور بطريقة سليمة، وهي الافكار نفسها التي لم تجد ضالتها الدينية وتطبيقاتها الاصولية في غير قطع ايدي المستضعفين، وكسر زجاجات الخمور في الساحات العامة، وجلد النسوة الفقيرات، المتهمات باقتراف الزنى، امام العامة.
ان ما قبلت به الزعامة السودانية الحالية من وجود لنائب رئيس جمهورية مسيحي ووزراء ومسؤولين من ولاة الامر من مسيحيين وغيرهم من اتباع الديانات الاخرى، يمثل قمة العقلِ والذي لو توفر، ولو جزءا منه قبل 20 عاما، لكان حال السودان اليوم غير حال ولو بقي 'الترابي' وجماعته من الاخوان المسلمين في الحكم حتى الان، لما رأى اتفاق 'مشاكوس' النور حتى الانِ ولما تمكن الرئىس 'عمر' ونائبه 'جون' من ابرام اتفاق السلام هذاِ فمحرمات الفكر الديني، كانت وستبقى، عند الكثيرين اهم من ارواح واموال وكرامات ملايين البشر.
***
ملاحظة:
على الرغم من كل تطمينات وزير الاوقاف وتأكيدات وكيل وزارته واشارات وكلائه المساعدين فإن غالبية أئمة المساجد لا يزالون يعومون في بحورهم الخاصة! وكمثال على ذلك خطبة الجمعة التي القاها السيدِِِِ، في احد مساجد العاصمة، اكررِِ العاصمة، حيث تطرق فيها الى كل امر عن على باله، ودعا الى حب امور كثيرة ولكنه ـ كما هو عهد غالبية خطباء مساجد الدولة ـ لم يدع، ولو لمرة واحدة، الى حب الوطن والتحابب بين المواطنين ونبذ التعصب والامتناع عن كراهية الآخر!