رواية 'دافنشي كود' والرقابة
لا يوجد ما أمقته وأحتقره اكثر من الحجر على الحرية، والفكرية منها بالذاتِ فلا تقدم ولا انسانية ولا تسامح من دون حرية فكرية حقيقية.
يقول الفنان والمخترع والمكتشف ليوناردو دافنشي: 'الجهل يعمي ابصارنا ويضللناِ ايها البشر الفانون افتحوا عيونكم'
***
يمكن اعتبار لجنة الرقابة على المطبوعات من اكثر اجهزة قمع الحرية الفكرية في البلاد سوءا، فمن دون موافقتها لا يمكن الاطلاع على اي فكر انساني، مهما سماِ كما انها تعتقد، بانها الوصية الشرعية على ما يحق لنا قراءتهِ والغريب اننا كلما تقدمنا في العمر واصبحنا اكثر خبرة ونضجا، وبالذات في السنوات الثلاثين الماضية، زاد تشدد اعضاء اللجنة وقلقهم على ما نقرأ.
تقوم هذه اللجنة بالتركيز بشكل اساسي على كل ما له علاقة بالدين الاسلامي وعلى موضوع الجنسِ وسوى ذلك فإنها على استعداد للسماح سنويا بدخول مئات كتب السحر والشعوذة، ومئات غيرها المتعلقة بتفسير الاحلام، بنهم او بغير ذلك! اما اعتقادات الآخرين ومقدساتهم فإنها لا تعني شيئا لاعضاء اللجنة.
نشير هنا الى رواية 'دافنشي كود da vinci code، لمؤلفها دان براون، التي بيع منها حتى الآن اكثر من 9 ملايين نسخة في 50 لغة، والتي قامت 'الدار العربية للعلوم' ـ بيروت، بترجمتها وطباعتهاِ والتي يتطرق مؤلفها، في اجزاء عديدة منها، لمواضيع حساسة تتعلق بصلب الاعتقاد المسيحي، كما يتطرق الكاتب للدور الخطير الذي قام به الامبراطور قسطنطين الروماني في ترسيخ المسيحية الحديثة عن طريق خلق دين هجين يجمع بين الوثنية، التي كان يؤمن بها، والمسيحية التي كان نجمها في صعود.
ووردت في الكتاب ايضا امور تشكك في مجمل الاعتقاد المسيحي كقول مؤلفه ان 25 ديسمبر هو عيد ميلاد الإله الفارسي 'مثرا' الذي يعود الى ما قبل ميلاد المسيحِ وان الهالات التي تحيط برؤوس القديسين هي اقراص الشمس المأخوذة من المصريين القدماء.
وان في البداية كان المسيحيون يتعبدون يوم الشبط، او السبت اليهودي، ولكن قسطنطين غير اليوم ليتوافق مع اليوم الذي يقوم فيه الوثنيون بعبادة الشمس sunday.
وان مدينة 'نيقية' هي التي شهدت، عن طريق التصويت الذي شارك فيه كهان مسيحيون، ولادة فكرة ألوهية المسيح وغير ذلك من الاسس الاخرى.
***
في الوقت الذي نعلن فيه بقوة وقوفنا مع الحرية الدينية وحرية الفكر والسماح بنشر وتوزيع مثل هذا الكتاب وغيره، ايا كان موضوعه، ففي النهاية لا يصح الا الصحيحِ الا اننا نستنكر هذه الانتقائىة التي تبدو الاساءة فيها مقصودةِ فمعتقدات الغير الدينية عزيزة عليهم، كما تعز على المسلمين معتقداتهم.
لقد تعلمنا من دروس التاريخ، ولكن من يقرأ، ان المعتقدات الدينية كانت دائما اقوى من اي كتاب وأصمد من اي بحث، ولو كانت رواية كتبها سلمان رشدي او قصة حاكتها مخيلة تسليمة نسرين او نقدا نشره كامل النجار على موقع على الانترنت!!