المارينا ونحن ودبي 3/2
ذكرنا في مقال الأمس فقرة عن تجربة دبي المتعلقة بسلامة البيئة، وهي نقطة مهمة جدا لا يعرف عنها، أو لا يود ان يعرف عنها مسؤولو البيئة لدينا الكثير، وهي بحد ذاتها تبين ان التجربة الرائدة في دبي ليست تجربة فارغة من المضمون كليا، وكأن لا هم للقائمين عليها غير تشييد غابات الكونكريت والجزر الصناعية والفنادق السياحية، بل إن للأمر بعدا إنسانيا واضحا يتمثل باهتمام مبكر بالبيئة البحرية وخوف على سلامتها وتمثل ذلك بإصرار السلطات هناك على منع اليخوت أو المراكب السياحية من الرسو في المرافئ والنوادي البحرية، ما لم تكن مزودة بخزانات فضلات بشرية خاصة لا تفرغ إلا في عرض البحر، ولا تفرغ أبدا عند توقف اليخت او القارب في المرسى أو المناطق القريبة من الساحل.
كما قامت سلطات الجمارك في دبي مؤخرا بتغيير سياستها الرقابية على منافذ الحدود، بحيث اصبحت تهتم أكثر وأكثر بالأمور الشديدة الخطورة على سلامة مواطنيها والمقيمين فيها، وصرفت النظر كليا عن التافه من المواد المهربة، ولهذا الأمر قصة جديرة بالرواية يمكن ان يستفيد من سردها المشرعون لدينا، ولا أخال السيد مدير عام الجمارك، ذو الباع الطويل في قضايا التهريب الجمركي، إلا عالما بها، لكن يده قصيرة في التشريع على الرغم من أن عينه أكثر من بصيرة.
ألقت سلطات 'دبي' القبض قبل فترة على تاجر مخدرات باكستاني خارج منطقة المطار وبحوزته حقيبة مليئة بالمواد المخدرة، وقد أقلقت وحيرت الحادثة، التي تم اكتشافها مصادفة، سلطات الجمارك هناك، وجعلتها تشك في ولاء عدد من موظفيها وفي اجراءات الرقابة في المطار.
بعد إخضاع المهرب الكبير لاستجواب على الطريقة الشرقية الخاصةِِ اعترف بأن تلك لم تكن محاولته الأولى وأنه سبق أن قام بتجربة مماثلة استطاع من خلالها تهريب كمية أكبر، وأنه يعتمد على طريقة غريبة تعتمد على ولع الشرقيين وغرامهم واستغرابهم، والمسلمون منهم بالذات، بكل ما له علاقة بالمحرمات من خمر وجنسِ وعليه قام بتعبئة حقيبة كاملة بمختلف المطبوعات الجنسية الغريبة، وقام بارسالها مع مهرب آخر مرافق له على الطائرة نفسها، وما إن اكتشفت، وهذا ما كان المهرب يسعى لتحقيقه، حتى تعالى الصياح وانشغل غالبية المفتشين الجمركيين في تفحص محتوياتها الغريبة، وهنا انتهز المهرب الكبير الوضع وقام بالمرور بحقيبة المخدرات التي كانت بحوزته دون أن ينتبه له أحد من المفتشين!
ولهذا قامت سلطات جمارك دبي بعدها مباشرة بتغيير سياساتها والتركيز على موضوع المخدرات والأسلحة، وغض النظر إلى حد ما عن البسيط من الأمور المخالفة والاكتفاء بمصادرتها.
إن ولعنا كشرقيين بالتافه من الأمور، التي جعلها البعض من أولوياته كمشرع، أعمى أبصارنا وبصيرتنا عن الكثير من الأمور الأكثر خطورة، والأكثر جدارة بالاهتمام.
فكيف أصبح موضع تدخين الشيشة أكثر أهمية من قضايا البيئة؟
ولماذا انشغلنا بالتافه من الأمور كزيارة شباب 'ستار أكاديمي' للبلاد، وقام فريق منا بإشعال الوضع السياسي في البلاد من أجل منع إقامة حفلاتهم، ونسينا في الوقت نفسه موضوع الدوائر الانتخابية وقوانين البناء وتصحر العاصمة، وفساد الكثير من ادارات الداخلية والمتاجرة بالبشر وبإقاماتهم!
الجواب واضح، والحل موجودِِ ولكن هذا موضوع آخر!