'ستار أكاديمي' سبب تخلف الأمة
لست من هواة مشاهدة التلفزيون، ولم تتح لي الفرصة بالتالي لمشاهدة أكثر من ساعتين تقريبا من آلاف ساعات بث برنامج 'ستار أكاديمي' الذي دار لغط كبير حوله في الآونة الأخيرةِ وقد فوجئت بعنف وفجور العداء الذي أظهره البعض ضد معدي هذا البرنامج والمشاركين فيه، وما تم إطلاقه من أوصاف مخجلة بحقهم، وأخص بالذكر ما ورد في مقال أحد الأمناء السابقين لحزب ديني، لن أصفه بالمعتدل، حيث لا توجد أحزاب دينية معتدلة أصلا، فقد وصف ذلك البرنامج بأقذع الأوصاف وذكر في مقال له بأن بثه يجري في إطار نهج مدروس يهدف في النهاية إلى إيجاد جيل جديد من الأمة لا يعرف دينا ولا انتماء لأمة ولا هدفا في الحياة غير إشباع شهواته، وتحطيم مستقبل الأمة عن طريق تخريب شخصية جيلها الصاعد!
لم يحدد الكاتب هوية 'الأمة' التي تطرق اليها، ولو افترضنا أن المقصود هنا 'الأمة الإسلامية' فإننا نطمئنه بالقول إن 90% منها لا يشاهدون هذا البرنامج، وبالتالي فجيلها 'الصاعد'، ولا أدري هو صاعد إلى أين، في مأمن من شره!
أما إذا كان يقصد الأمة العربية، ولا أظن الأمر ذلك، فإن هذا يعني أن هذه الأمة كانت، قبل بث هذا البرنامج بساعات، أمة ذات برنامج زراعي متقدم قادر على إنتاج كل حاجتها من الغذاء، كما يقوم بإدارة ملايين أنوال النسيج اللازمة لصناعة أنسجة ملبوساته ومفروشاته وستائره المخملية، أمة تقوم بادارة مختلف ورش ومصانع الأجهزة الالكترونية وآلات صناعات المثلجات ومكيفات التبريد، أمة مدمنة على الصناعة حتى النخاع، مغرمة باستنشاق أدخنة المصانع صباح كل يوم، أمة لا يجد أفرادها عيبا في ارتداء بدلة 'العفريتية' الزرقاء الملطخة بالزيوت، أمة لا يهتم جيلها الصاعد بالموبايل والاقلام والنظارات الذهبية والسيارات الفارهة، ولا علاقة له بكهوف 'تورا بورا' وجبال الشيشان وكوسوفو وأزقة السماوة وشوارع بعقوبة وأحياء تكريت!
قد نختلف مع هؤلاء المشايخ المنتقدين لبعض أدبيات هذا النوع من البرامج وسلبياتها، ولكن لا يمكن أن ننكر دورها في تقارب الشعوب والثقافات وما تحققه من قبول للآخر، بصرف النظر عن جنسه أو جنسيته أو دينه أو مذهبه، وهنا ربما يكمن الخطر بنظر منتقدي مثل هذه البرامج الشعبية، فهي تمثل تحديا لسلطاتهم الدنيوية التي يشاهدون اضمحلالها كل يوم.
في الوقت الذي لا يمكن لأحد فيه أن يدعي بأن حال أمتنا كان أحسن وأقرب للكمال قبل البرنامج منه بعد بث البرنامج، فاننا لا يمكن في الوقت نفسه أن ندعي بأن حالها سيكون أقرب للكمال متى ما توقف بث هذا البرنامج.
ولو عدنا الى كتب التراث وحكايات الأولين لاكتشفنا أن عشرات الأحداث المماثلة ل'ستار أكاديمي' قد مرت بالعرب والمسلمين طوال تاريخهم، وكان كل حدث منها، بنظر مؤرخي ورجال دين تلك المراحل، كفيلا بالقضاء على أمة كاملة وتحطيم قيمها وإنهاء تراثها الديني و'الفكري'!، وقد مات كل أولئك المنتقدين ودفنوا تحت الثرى وذهبت ريحهم وبقيت الأمة حية 'تلبط'!