صور العجاف
ارتحنا لسنوات من مقالات العجاف والتملق التي كانت تزخر بها الصحف العربية في مدح الكويت، ولكن مع تعقد الأمور الداخلية قليلا في الكويت أخيرا، خرج علينا الزميل جهاد الخازن قبل بضعة اشهر بمقال سال المدح المزيف منه أكثر من الحبر الذي كتب به، ثم أردفه بمقال آخر وصف فيه بعض المعترضين على ممارسات السلطة بـ «أولاد شوارع»!، وهذا وصف لم يكن يليق صدوره من كاتب في خبرته، ولكنه ربما دفعه المدح الزائف اللعين لذلك! ثم جاء آخر ربما من فئة الوعاظ، وهو سفير البوسنة السابق في الكويت، ياسين رواشدة، وكتب في القبس أن الكويت، المعروفة تقليدياً في العالم «كله» بحنكة قيادتها ورصانة دبلوماسيتها! وهذه مبالغة غير مستحبة ابدا، فأكثر من نصف العالم لم يسمع بالكويت اصلا، فكيف عرف بحنكة قيادتها ورصانة دبلوماسيتها؟!، وما الذي تعنيه الرصانة هنا أصلا؟! ونحن لا نشكك هنا في حنكة القيادة، ولكن نرفض هذه المبالغات التي لا يقبلها عاقل، فقيادة الكويت في غنى عن مثل هذا التزلف. واستطرد السفير السابق قائلا: إن الكويت مارست خلال هذا العام أنشطة إيجابية كبيرة، وحققت نجاحات رائعة (!) عزّز ذلك دورها المعروف في الحفاظ على وقار وحصافة سياستها الخارجية التي تتميز بابتعادها عن الضجيج والتبجح اللذين يمارسهما مراهقو السياسة من الطامحين للجلوس في مقاعد الصفوف الأولى على مسرح السياسة الدولية! ونحن إذ نتفق معه في ميل دبلوماسية الكويت للبعد عن الضجيج والتبجح، إلا أننا لا نعتقد أنها حققت «نجاحات رائعة» خلال 2012، ولا حتى فشلا غير رائع، بل كانت عادية مثلها مثل أي سنة اخرى. ويعود السيد رواشدة، الذي يسبق اسمه بحرف الدال ونتمنى أن يدلنا على الجامعة التي حصل على شهادته منها، للعلم فقط، ليكرر كلامه قائلا: وإذا كان لنا أن ننظر بسرعة، عبر الشهور الاثني عشر الماضية، عبر نافذة السياسة الخارجية للكويت (هكذا)، فإننا لا بد أن نشاهد النجاحات الدبلوماسية الكبيرة والإنجازات المهمة والحضور المميز (وهذا تكرار لسابق ما ذكره من تزلف) ودور كويتي نشط هادئ ( نشط وهادئ!)، وتصالحي في جميع مؤتمرات القمم الخليجية والعربية والآسيوية ينعكس بالأهمية والفعالية ذاتهما في جميع المؤتمرات الوزارية، سواء التي تسبق عادة تلك القمم أو تلك المستقلة عنها! ثم عاد وقال: دور الكويت كان، وما زال، فاعلاً ومؤثراً ومطلوباً في اللقاءات والمشاورات الخليجية والعربية والدولية، المتعددة الأطراف أو الثنائي منها (ولا أدري ماذا تركنا لأمين عام الأمم المتحدة؟) هذا الدور المتميز كان، وما زال، يحظى بإلهام وتوجيه من عميد الدبلوماسية العالمية، وهذا وصف اطلقه على صاحب السمو الأمير، علما بأن سموه أرفع من هذا اللقب.
ثم يعرج السيد رواشدة على علاقة الكويت بدول البلقان، ويقول إن بوابات الصداقة والتعاون، التي فتحت على مصاريعها للكويت خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في منطقة البلقان، تعتبر تعزيزاً للحضور الكويتي «العريق» في تلك المنطقة! وهذا أيضا كلام لا معنى له، فالأبواب فتحت على مصراعيها للكويت لما قدمته من مساعدات، وليس لحضورها «العريق»، فما علاقة العراقة بتمويل المشاريع، علما بأن علاقة الكويت بدول المنطقة لا تعود لسنوات طويلة جدا، كان فيها الشيك هو العامل الفعال!
لقد سئمنا من كل هذا المدح الزائف، فقيادتنا ليست بحاجة لهؤلاء، ومشاكلنا نحلها بيننا، وقد اثبتت التجارب أنه قد يكون ما دفعته الكويت لبعض الأقلام لم يعد عليها بالخير يوما، فمن قبض منا ليكتب عنا، سيقبض حتما من غيرنا ليكتب ضدنا.