الحرير والتكييف المركزي
لا نقوم عادة - وليس من عادتنا - بالتعليق او الاشارة الى رسائل القراء التي تردنا، على الرغم من اهتمامنا الجاد بالرد عليها مباشرة، الا ان رسالة القارئ خالد البحر، التي وردتنا عن طريق ال'اي ميل'، تعليقا على قصة تأسيس جامعة 'ستانفورد'، التي تطرقنا إليها في مقال سابق، وما ذكره من اسباب تتعلق بتخلفنا، التي ارجعها إلى حياة التناقض وال'هيبوكرسي' التي نعيشها جميعا، لفتت انتباهنا إلى أمر غاية في الطرافة والخطورة في الوقت نفسه.
فالكثيرون منا، والرجال بالذات، يستنكرون على انفسهم والآخرين ليس الناعم من الثياب، كالحرير مثلا، كما يطالبون الآخرين كذلك بالتخشن في حياتهم وتجنب لبس الذهب او التجمل بهِ وكثيرا ما لفت زبائن المحل، الذي يعمل به احد ابنائي، نظره الى سلسلة الذهب التي يعلقها في عنقه، طالبين منه التخلص منها، غير عارفين السبب الحقيقي الذي يجعله يصر على لبسهاِ الى هنا والامر قد يبدو معقولا للبعض، كما كان الامر معنا، الى ان قرأنا رسالة السيد البحر، التي جعلتنا نتساءل عن مدى منطقية هذه المطالبات، واكتشفنا بعد تفكير قصير ان هذا الامر يمثل في حقيقته حياة التناقض التي تعيشها غالبيتنا.
فالرجال يحرمون على أنفسهم لبس الحرير ويقولون انه خلق للنساء، وان عليهم ان 'يخشوشنوا، لان النعم زائلة'، وهذا معقول ومقبول في الكثير من الظروفِ ولكننا نقوم في الوقت نفسه باستعمال الهواتف النقالة لايصال رسائلنا بدلا من الذهاب راجلين لتسليمهاِ كما اننا توقفنا منذ عقود عن ركوب الخشن من الدواب، واستعضنا عنها بالسيارات الفارهة ذات المقاعد المريحة والمكيفة لقضاء حوائجناِ كما اصبحنا جميعا نميل إلى استعمال المصاعد الكهربائية للصعود إلى الطوابق العليا والنزول منها بدلا من استعمال الادراج الخرسانية او الحديديةِ وننفق جميعا مئات آلاف الدنانير لشراء المريح والواسع من البيوت، ونختار احسن واغلى الاحذية المصنوعة من جلود تزيد اثمانها على الحرير بعشرات المرات.
اننا لا نشجع بطبيعة الحال لبس الحرير والذهب، ولكن هل نحن على استعداد لتطبيق المبدأ على انفسنا بشكل عام؟ ان التحريم كان لأن لبس الحرير يمثل القمة في الترف والتباهي، ولكن الطريقة التي تعيشها غالبيتنا، ومنهم المعترضون على لبس الحرير والذهب بالذات، الغارقون في آلاف ادوات ووسائل الراحة والترف والنعيم كفيلة بجعل الكلام عن الترف مسألة مضحكة!
الا نستحق بعد كل ذلك ان نكون سادة الكوميديا ورواد 'الهيبوكرسي' في العالم أجمع؟