من فينا الانسان؟
التقيت بالمصرفي الاسكتلندي فال تادبول للمرة الاولى عام 1970، وكان ذلك عندما أرسله المصرف البريطاني الذي كان يعمل فيه للتدريب لدى بنك الخليج، حيث كنت أعمل وقتهاِ ومنذ 33 عاما وصلتنا الشخصية والعائلية لم تنقطع قط.
عاد فال الى وطنه بعد سنوات، ثم عاد للعمل في الخليج في عدة مواقع ومصارف، وكان آخرها مديرا لفرع بنك بحريني في الكويت، ثم انتهى المطاف به، قبل الغزو بقليل، للعمل كمدير لبنك سعودي في جدةِ ووقع الغزو العراقي للكويت، وعرف فال بوجودي في الرياض من خلال برنامج تلفزيوني كويتي كان يبث على كافة القنوات الخليجية في وقت محدد، فقام بالاتصال بي هاتفيا وذكر لي أنه سيلقاني قريبا في الفندق الذي كنت أقيم فيهِ وقام بالفعل بالسفر من جدة الى الدمام، ومنها اتجه الى الرياض ومكث لدي اربع ساعات، وتركنا بعد أن أودع في يد زوجتي علبة صغيرة قال إنها هدية 'متواضعة' من زوجته، وطلب منا عدم فتحها أمامه لكي لا يشعر بالحرجِ ما ان غادر إلى المطار حتى قامت زوجتي بفتح العلبة فاذا في داخلها مبلغ نقدي يزيد عن 5000 دولار!.
قمت بالاتصال به بعد ساعات لأشكره ولأبين له أنني في غير حاجة الى ذلك المبلغ، وطلبت منه رقم حسابه في البنك لكي أقوم بتحويل المبلغ إليه، فتضايق كثيرا، وأصر على ان احتفظ بالمبلغ ورده بعد تحرير الكويت! كان ذلك في شهر سبتمبر 1990، وكان الكل يعلم أننا اصبحنا جميعا من غير مال ولا عقار ولا هوية ولا وطن ولا أمل ولا كرامة، وبالرغم من كل ذلك لم يتردد هذا الرجل الاسكتلندي الغريب، الذي يصفه البعض بأقذع الصفات، لا لشيء إلا لكونهم من غير المسلمين، أقول لم يتردد هذا الرجل في إعطائي، وبطريقة تتصف بالكثير من الكرم والتواضع الجم، مبلغا كبيرا، وهو على ثقة تامة بأنه سوف لن يستعيده إن لم تعد الكويت لأهلها، ولم يفعل ذلك إلا لشعوره بأن عليه، كصديق، ان يفعل ما ترددت أنا وتردد العشرات من أمثالي من فعله مع الآخرين بسبب الظروف الصعبة التي وجدنا جميعا أنفسنا فيها في ذلك الوقت!.
أذكر هذه القصة بمناسبة قيام السيد تادبول، الذي لا يعمل حاليا في وظيفة محددة، ومتفرغ للأعمال الخيرية والتطوعية، بالاتصال بي بالأمس ليطلب هاتف ابننا محمد، الموجود في الولايات المتحدة للدراسة، ليقوم بالاتصال به هناك ليعرض عليه الاقامة في بيته والاعتماد عليه ماديا، لحين الانتهاء من دراسته، إن حدث لنا في الكويت أي مكروه(!!).
اعتقد اننا بعد كل ذلك نحتاج الى اعادة ترتيب الأمور، لنؤكد من هو الانسان فينا؟.
ملاحظة:
ذكر في 'السياسة' 17/3 بأن الاجهزة الأمنية قامت في الايام الماضية بسحب عدد من الكمامات التي قامت ادارة الدفاع المدني بتوزيعها على منتسبي ادارات وزارة الداخلية، بعد اكتشاف أن غالبيتها لا تعمل وان جزءا كبيرا منها منتهي الصلاحية!ِ مصادر الصحيفة ذكرت أن عدد الكمامات المرفوضة وصل الى 50 ألف كمام فقط!
لوزارة الداخلية والصحة والدفاع والحرس الوطني وكل جهة حكومية قامت بالاصرار على مناطحة السحاب واستيراد الاقنعة الواقية من غير توخي الحرص الشديد قبل استيرادها، العذر كل العذر لو ان أحدا لم يكتب في هذا الموضوع ويحذر ويطلق صفارة الإنذار الواحدة تلو الاخرى عن ضرورة مراعاة الدقة والمواصفات العالمية قبل الاقدام على شراء بضاعة خردة لمجرد ان سعرها 'معقول'ِ ولكن ما العمل و'غسان تويني' يقول من جهة: ما بيقروا، ما بيقروا!! ونحن نقول من جهة أخرى: ابحث عن المستفيد!.