الاقتراض من البنوك
لا اعرف الكثير عن مدى فاعلية نظام 'نقاط مخالفات المرور' المتبع في الكويت، ولكني اعلم أنه نظام فعال ومعمول به في كثير من الدول المتقدمة.
بسبب ضجري وقلة حيلتي من التزايد الملحوظ في عدد مخالفات العاملين في مختلف الادارات التابعة لوزارة الداخلية، من مدنيين وعسكريين، قررت مراقبة هذه الظاهرة بصورة بدائية، واعطاء المتهاونين في اداء اعمالهم نقاطا محددة على كل مخالفة، وتحويل تلك النقاط الى مبالغ نقدية تخصم من رواتبهم في نهاية الشهر.
توجهت في اليوم الثالث من السنة الجديدة، وكان يوم جمعة، الى مخفر 'الجابرية' لأمر ما، ولكن فوجئت بأنه خال وقيد الترميم الشاملِ بحثت عن لوحة او لافتة او حتى ورقة ملصقة على عمود نور تبين المنطقة التي يجب علي اللجوء إليها عند الحاجة فلم اجد شيئا! وعليه قررت تسجيل مخالفة من 100 نقطة على ادارة العلاقات العامة في وزارة الداخلية لتهاونها في هذا الامر.
اتجهت بعدها الى 'السرة'، وهي الامتداد الطبيعي للجابرية، فوجدت ان مخفرها مغلق ايضا، ولكن من دون سبب هذه المرة، كما لم اجد اي لوحة تبين مكان انتقاله، ولكن وجدت لوحة رسمية زرقاء في وسط الرصيف القريب من المخفر تحمل سهما يشير الى موقع المخفرِ اخذت ادور حول مركز المنطقة عدة مرات باتجاه السهم ولكن من دون جدوى، وبعد ان يئست سألت احد المواطنين فقال ان المخفر انتقل الى جهة لا يعرف عنها شيئا! وهنا قررت تسجيل 150 نقطة مخالفة على المسؤول عن هذا التقصير لفشله في ازالة اللوحة الارشادية من جهة، ولتقاعسه عن وضع ما يفيد بمكان انتقال مخفر المنطقة!
ذهبت بعدها الى منطقة 'قرطبة' المجاورة، واخذت بالدوران حول مركزها التجاري فوجدت اكثر من ادارة تابعة لوزارة الداخلية ولكن ليس من بينها مخفر! وعندما سألت احد المواطنين عن الامر قال ان ليس في المنطقة مخفر اصلا! وعندما سألته عن الجهة التي يجب عليه مراجعتها وقت الحاجة، قال انه لا يعرف! وهنا قررت تسجيل مخالفة من 50 نقطة على الادارة نفسها لفشلها الاعلامي.
خرجت من قرطبة واتجهت الى 'الروضة' المجاورة لأكتشف كذلك أن مخفر المنطقة خال وتحت الترميم الكامل! وهنا ايضا فشلت في الاستدلال على اي لوحة ارشادية تبين اسم اقرب مخفر على سكان المنطقة اللجوء إليه عند الحاجة، وقررت تسجيل مخالفة بمائتي نقطة على كافة الادارات المعنية بأمر ترميم المخافر وارشاد المواطنين، وما اكثرها!.
ارجو الا يتصور القارىء ان في الامر اي مبالغة او سخرية، فما ذكرته وسأذكره حدث بحذافيره.
وهنا قررت الخروج من مناطق الدائري الرابع والاتجاه صوب المناطق القريبة من العاصمة، وكانت منطقة النزهة وجهتي التالية، ولكني فوجئت، وانا الذي قطنتها لسنوات، بأنها من غير مخفر اصلا، وهنا قررت الاتجاه بصورة تلقائية الى المخفر النموذجي لمنطقة 'ضاحية عبدالله السالم'، والذي سمعت عنه الكثير، اي المخفر، وهو مخفر، لو تعلمون، مهم، حيث طنطنت الوزارة في يوم افتتاحه، ومن خلال اجهزتها ووسائل الاعلام الاخرى، بمختلف مزاياه و'فضائله'، وذكرت أنه سيكون نموذجا لمخافر المستقبل في الكويت، وان وفود الكثير من الدول 'الشقيقة' والاكثر تخلفا منا، ستقوم بزيارته وتطبيق ما فيه من تقدم تكنولوجي ومكتبي وبشري في مخافر دولها! وهنا يجب الاعتراف بأن الوزارة نجحت فعلا في تحويل ذلك المخفر الى 'نموذجي'! فقد تحول، وبعد اقل من ثلاث سنوات من افتتاحه، الى مرآة صادقة لبقية مخافر الكويت وضواحيها بأثاثه المتهالك، ورخامه المكسور، ومستوى النظافة النسبي حيث يغطي الغبار والاتربة كافة زواياه وارضياته وحتى اسقفه! وربما تكون صور رجال الدولة التي غطت جزءا من مدخله الرئيسي الشيء الوحيد الذي لا يزال يميزه عن بقية المخافر!
وهنا قررت، بصورة مبدئية، تسجيل مخالفة من 300 نقطة على كل من تناوب على ادارة ذلك المخفر وجعله يصل الى هذا المستوى المتدني من السوءِ وندعو سكان 'الضاحية'، وبعد قراءة هذا المقال، الى القيام بزيارة مخفر منطقتهم 'النموذجي' للتأكد مما كتبنا، ورفع امر وضعه المزري إلى ممثليهم في مجلس الامة!
بعد الاستقبال البارد من شرطي حاجز الاستقبال المتهالك برخامه المكسور وخلوه من كبار الضباط في تلك الساعة المبكرة من صباح يوم جمعة اكثر برودة، واصرار العسكري الذي قام بسؤالي عن حاجتي على الاحتفاظ بسيجارته في فمه وهو يكلمني وينفث دخانها في وجهي، قررت تغيير رأيي في نظام المخالفات الذي اتبعته ومغادرة المخفر والتنازل عن القضية التي جئت من اجلها بعد ان اكتشفت ان تطبيق هذا النظام سوف يطال الكثير من رواتب عدد كبير من مسؤولي الوزارة وافرادها، بل وربما سيضطر البعض منهم للاقتراض من البنوك لتغطية الفرق بين راتبه وما تراكم عليه من نقاط مخالفات.