من هو الطرف الأقوى؟
ماذا ستفعل لو تقدمت جهة واحدة فقط بعرض لبناء منزلك الجديد، ورفض بقية مقاولي البناء المشاركة في المقاولة؟ وماذا سيكون قرارك لو تبين لك ان العرض الوحيد المقدم يساوي عشرة في المائة من الاسعار السائدة في السوق؟
هل ستقوم بتسليم بيتك لهذا المقاول لكي يقوم ببنائه، بالرغم من علمك بان شروط العقد مجحفة الى اقصى حد في حقه؟
اذا كان جوابك بنعم فأنا انصحك، مع الاعتذار، بمراجعة طبيب مختص لفحص جزء حيوي في رأسك.
لا نستغرب كثيرا ان حدثت مثل هذه الامور في الحياة، اما بسبب طمع وسذاجة البعض، او لاعتمادهم الكلي على مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'، وان على الطرف الآخر الالتزام بشروط العقد بصرف النظر عما اذا كانت قابلة للتطبيق ام لا.
ولكن من الغريب، بل ومن المستهجن، ان تقوم وزارة الشؤون، وهي الوزارة التي يرتبط جزء كبير من عملها بمراقبة عقود العمل بين مختلف الاطراف، بتوقيع عقد محدد مع مكتب محاسبة تعلم يقينا بان فيه من الشروط والبنود المجحفة التي تجعل مسألة تطبيعه امرا مستحيلا.
ولا ادري حقيقة ما هي مهمة مختلف الاجهزة الادارية والمحاسبية والقانونية في الوزارة المعنية التي لم تستطع ان تتبين ان من غير الممكن على اي طرف كان مراجعة وتدقيق وتقديم تقرير دوري وسنوي عن مئات حسابات الجمعيات واللجان الخيرية المنتشرة في الكويت وفي عشرات الدول الاسيوية والافريقية وقارتي اوروبا واميركا اضافة الى العديد من الدول العربية مقابل مبلغ ثلاثين الف دولار، او عشرة الاف دينار كويتي، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية ثمن تذاكر سفر المدققين وبقية مصاريف سفرهم؟!.
اتسعت دائرة الخلاف، وهو الخلاف الذي سبق ان كتبنا عنه وحذرنا من وقوعه، بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبين مكتب تدقيق الحسابات الذي تم تكليفه بمهمة مراجعة مئات حسابات الجمعيات الخيرية وفروعها المنتشرة في مختلف انحاء العالم، بعد ان طالب المكتب بزيادة قيمة عقده مع الوزارة من عشرة آلاف الى اربعين الف دينار.
وقد ردت وزارة الشؤون على 'ادعاءات' مكتب المحاسبة و'فندتها' وقالت انه هو الذي حدد مبلغ اتعابه ولم تجبره الوزارة عليه، كما انه تقدم من تلقاء نفسه للمشاركة في اعمال التدقيق، ولم تسع الوزارة إليه!!
نعتقد ان الخلاف بين الشركة والوزارة سوف لن يتم حله بصورة ودية في فترة قريبة، وان العملية ستطول الى ما لا نهاية، وستتأخر بالتالي عملية تدقيق حسابات الجمعيات وستستمر في مخالفاتها، ايا كانت، وسوف لن يكون هناك عقد جديد مع مكتب آخر طالما لم تقم الوزارة بتسوية القضية بينها وبين المكتب الحالي، خصوصا ان استمرار الخلاف واطالته بين الطرفين هو في صالح كافة الاطراف، فلا الجمعيات ترغب في من يراقب حساباتها ويطلع على حجم وطريقة صرف اموالها، ولا مكتب التدقيق يود تكبد خسائر طائلة بموجب عقده الحالي، ولا الوزارة المعنية مهتمة حقا بعملية تدقيق الحسابات بمحاربة قوى مخيفة العدد والعدة.
نقول ذلك ونؤكد كذلك، انه ومنذ صدور القرار المتعلق بتولي وزارة الشؤون الاجتماعية مهمة مراقبة حسابات الجمعيات الخيرية، بسبب الضغوط الخارجية، لم تقم اي من هذه الجمعيات بتقديم سطر واحد للوزارة يتعلق بحساباتها، هذا للعلم فقط.