ذيل الثعلب ومصابيح الانذار
اتصل بي صديق يشتكي من قرارمفاجئ صدر عن الإدارة العامة للمرور، يلزم كافة اصحاب المركبات من نوع نصف شاحنة (هاف لوري)، بوضع عدد من مصابيح الانذار الصفراء على اسقف تلك المركبات، وقال انه اضطر إلى دفع مبلغ 500 دينار ثمن تلك المصابيح التي ارتفع ثمنها فجأة في السوق المحلية إلى أسعار خيالية، بعد ان سرت اشاعة مفادها ان رجال المرور اصبحوا يصدرون المخالفات المرورية للمركبات التي لا تحمل تلك الاضواء، وما اكثر تلك المركبات! كما قام البعض من رجال الشرطة بمصادرة مستند ملكية السيارات المخالفة وتصاريح قيادة سائقيها ومنعها بالتالي من التحرك!
استنكرت الامر وقلت له ان من غير المعقول صدور امر مهم مثل هذا بصورة فجائية عن ادارة المرور دون تحذير أو اعلان مسبق، وطالبته بالانتظار لحين قيامي بالاستفسار عن الموضوع.
بعد عدة مكالمات مع مسؤولي الإدارة المعنية تبين لي ان هناك لبسا في الامر، فقرار المخالفة تعلق بالشاحنات الكبيرة وليس بالمركبات الاصغر حجما.
اتصلت بصديقي لاطمئنه بان الامر على خلاف ما ذكر، وبان هناك لبسا في الموضوع، وعليه ان لا يكترث، ولمطالبته كذلك باعادة تلك المصابيح من حيث اشتراها واسترجاع امواله أو بيعها في السوق بسعر اعلى، طالما ان الطلب عليها كبير.
فقال لي انه يثق بكلامي ويصدقني، لكنه سيقوم بالرغم من كل ذلك بتركيب تلك المصابيح على اسقف مركباته فورا، فإلى ان يكتشف رجال المرور ان القرار لا يشمل هذا النوع من المركبات يكون قد حصل على عدد من المخالفات يفوق قيمتها ثمن تلك المصابيح الصفراء اللعينة، اضافة إلى ذلك ستتعطل اعماله نتيجة مصادرة دفاتر مركباته وتصاريح سائقيها.
***
بمناسبة قيام 'القبس' وبعض المطبوعات الصحفية الرصينة الاخرى بتمويل عملية طباعة وتوزيع مجموعة من كتب التراث، والتي كانت باكورتها كتاب 'كليلة ودمنة'، وتعليقا على قصة صاحبنا مالك الشاحنات الصغيرة فقد تذكرت الطرفة 'السياسية' التالية: ضرب بعير بذيله، وهو يهش الذباب عن نفسه، وجه القائد الوجيه، فامر هذا وهو في سورة غضب عارمة، بقطع ذيل كل ناقة وبعير في البلاد ليكونوا عبرة لكل من يعتبر ومن لا يعتبر.
علمت الجمال بقرار الحاكم الوجيه فاخذت تتراكض يمينا ويسارا هاربة بذيولها إلى الصحراء وهي لا تلوي على شيء.
اثناء جريها الحثيث شاهدت مجموعة منها ثعلبا صغيرا يجري معها وهو يلهث ولسانه يكاد يسقط من فمه من شدة الاعياء والعطش، فسألوه عن سبب وجوده بينهم، وهو الثعلب الماكر الصغير غير المعني بالامر، فسألهم بدوره ان كانوا لم يسمعوا بقرار الحاكم المتعلق بقطع الذيول، فاجابوه بنعم، ولكن قرار القطع حدد ذيول الجمال والنوق، وليس اذناب الذئاب والثعالب! فضحك الثعلب ملء شدقيه وقال انه اختار السلامة على الندم، فلو لم يهرب لقبض عليه وقطع ذيله مع بقية الذيول في غمرة الفوضى في البلاد، وبعدها، وبعدها فقط، سيكتشف رجال الحاكم الوجيه أنه ثعلب وليس بناقة ولا جمل!.