هل نحن 'كفو' لمثل هذا النظام؟
تطور نظام الاتصال من المراسل الذي ينقل الرسائل من دولة الى اخرى مشيا على قدميه وصولا الى وسائل الاتصال الحديثةِ وقد تجاوز عدد مستخدمي اجهزة الهاتف النقال (الخليوي) في العالم، قبل أيام، المليار شخص!! وهذه اول مرة يتجاوز فيها عدد الهواتف النقالة عدد الثابتة بخطوط مباشرة.
* * *
طورت دول اسكندنافية، ربما تكون فنلندا، نظام الرد الالي، او البدالة الالكترونية، التي يقوم جهاز تسجيل بالرد على مكالمة المتصل وتحويله اما الى رقم محدد يعرفه مسبقا او الى موظف البدالة.
انتشر هذا النظام في الدول الغربية بالذات بسبب تحضرهم وانتشار المعرفة بين مواطنيهم من جهة، وبسبب قلة الايدي العاملة وارتفاع اجورها، وهو السبب الاهم، من ناحية اخرى، وادى هذا الامر ايضا الى لجوء تلك الدول، وبشكل عام، الى ابدال واحلال الآلات محل البشر كلما امكن ذلك.
انسجاما مع عاداتنا وتقاليدنا التي تدعونا دائما لجلب واستيراد وشراء كل جديد، وكل ما من شأنه زيادة رفاهيتنا، واوزاننا بالتالي، بصرف النظر عن مدى حاجتنا لها، قام الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة بشراء وتركيب اجهزة الرد الالي فيها.
نجح النظام كالعادة نجاحا نسبيا في الكثير من المؤسسات الخاصة، ولكنه سقط سقوطا شنيعا في جميع المؤسسات الحكومية والعامة بدون استثناء وللاسباب التالية:
اولا: كلفت مختلف الوزارات اصحاب اسوأ الاصوات بمهمة تسجيل الرسالة الصوتية، وبطريقة تفتقد الى ادنى درجات الذوق في المخاطبة.
ثانيا: على الرغم من التخمة الوظيفية التي تشكو منها جميع مؤسسات الدولة الا ان عدد المؤسسات الحكومية التي لجأت أخيرا لنظام الرد الآلي في ازدياد، فأين ذهب مئات الموظفين والموظفات الذين تم توفيرهم نتيجة الاستعانة بهذا النظام الآلي؟
ثالثا: مع ان الرد الآلي يفتقد الى اللمسة الشخصية عند الاتصال، فإن مزاياه من ناحية السرعة في الرد بصورة آلية طغت على عيوبه، ولكن اصبحت ميزة السرعة هذه غير ذات قيمة، خاصة عندما يقوم الجهاز بتحويلك الى موظف البدالة، حيث يضطر المتصل احيانا للانتظار لدقائق طويلة لكي يرد عليه موظف او موظفة البدالة دون جدوى!
رابعا: يفترض في مستخدم نظام الرد الآلي الرقي والتحضر، وهذا يعني ان على المتصل به الرد عند ترك رسالة صوتية له على جهاز تسجيل المكالمات، إما بسبب عدم تواجده وإما لانشغاله بأمر آخرِ ولكن نجد ان هذا الامر نادرا ما يتم اتباعه، فموظف الحكومة يعلم جيدا بان المتصل في المرة الاولى والثانية والثالثة مجبر على الاتصال مرة رابعة وخامسة، فحاجته لدى الموظف 'المسعول' وليس العكس!
وعليه من السخف تركيب آذان كبيرة، او تكبير الحالية لمن لا يود الانصات اصلاِ ان علاج هذا الامر بسيط جدا ولا يأخذ من وقت اي مسؤول حريص وغيور على مصلحة عمله غير دقائق معدودة كل شهر يقوم خلالها بالاتصال شخصيا، وبصفة دورية، بنظام الرد الآلي في مؤسسته الحكومية او العامة وحتى الخاصة، وسماع الاصوات المنكرة التي ترد عليه بصورة آلية ومحاولة تغييرها الى الاحسنِ كما تمكنه هذه التجربة الشهرية من التعرف عن كثب على المعاناة التي يلاقيها المتصل ومحاولة حل الامر، ولو بالعودة لنظام الرد البشري السابق، حيث يبدو اننا 'مو كفو' لمثل هذه الانظمة المتطورة والحضارية!