انتصار الفطرة السليمة
التصقت، ولأيام ثلاثة، بشاشة التلفزيون اراقب المسلسل المتسارع للأحداث في افغانستان، وذلك الانهيار السريع لدولة طالبان الورقية من دون مقاومة تذكرِ وشاهدت بفرح، ذلك المنظر، او ما يشابهه، والذي تكرر في اكثر من دولة متشددة، جموع الناس وهي تزحف نحو دكاكين الحلاقة التي اقيمت على عجل والتي بدأت اما بازالة او تقصير شوارب ولحى المواطنين الافغانِ كما شاهدت وغيري حشودهم في كابول ومزار الشريف وهي ترقص على انغام الموسيقى والاغاني التي كانت تصدر من اجهزة راديو قديمة كانت مخبأة في سراديب البيوتِ ورأيت الفتيات والنساء وهن يقمن بتردد واضح بازالة اكياس القماش الرثة عنهن وهن غير مصدقات ان بامكانهن فعل ما كان عقابه الموت قبل ساعات فقطِ شاهدت كل ذلك وتبين لي ان الانسان حيوان اجتماعي ضاحك مجبول على حب السعادة والفرح، مغرم بالحياة وبكل ما فيها من مباهج! وان من الغباء الشديد تحت اية ذريعة كانت ان نمنعه من الاهتمام بمظهره الخارجي بالطريقة التي يراها مناسبة لمزاجه الشخصي، وان من السخف ان نحرمه من سماع ما يطرب له قلبه بحجج واهية عفا عليها الزمن، وان من الظلم ان نقيده ضمن اردية معينة تمنع عنه ضوء الشمس ونسيم الحرية لان لولي الامر الظالم والمتخلف رأيا في ذلك يختلف عما فطر الانسان عليه منذ ان وجد البشر على هذا الكوكب.
لقد عبرت مظاهر الفرح التي سادت الافغان وهم يحتفلون بحريتهم وخلاصهم من واحد من اكثر النظم الاستبدادية تخلفا في تاريخ العالم الحديث عما يمكن ان يواجهه المواطنون والمقيمون في الكويت من مصير مظلم متى ما رضينا بتسليم مقدرات الامور لدينا لمجموعة من الاحزاب الاصولية، التي لا تختلف كثيرا في خطاباتها السياسية عما كانت ولا تزال تدعو اليه طالبان وغيرها من دول الظلم والاستبداد.
وفي مقارنة سريعة لطريقة معيشة وتصرف فئة كبيرة ومتنفذة من المنتمين للاحزاب الدينية الاصولية لدينا، والتي تتضمن آلاف النواهي ومئات المحاذير وغيرها الكثير جدا من الاوامر والتعليمات التي لا يمكن ان يقبلها او يتقبلها الانسان العصري بأية صورة من الصور دون مواجهة عنيفة وامل عميق بالخلاص منها بأسرع ما يمكن، نجد ان آراء وتصرفات واعتقادات هؤلاء لا تختلف كثيرا عن عادات وتعليمات واعتقادات طالبان، ولنا في سليمان اسوة حسنةِ وهو، بهذه المناسبة، الذي صرح ل'الوطن' (20/9) بحديث حرض فيه الشباب الكويتي على اعداد انفسهم لمعركة بين الايمان والكفر! وبان افغانستان ستكون مقبرة للاميركان! وان الفارين من افغانستان لا توبة لهم! ونحن نتمنى صمودهم في قندهار وعدم الفرار منها!.
ان ما حدث في افغانستان في حقيقة الامر لم يكن انتصارا اميركيا على حكومة طالبان، ولم يكن انتصارا مسيحيا على مسلمين، ولم يكن انتصارا غربيا على شرقيين، بل هو انتصار محبي الحياة على الراغبين في الموت ظلما.
ولم يتجل ذلك الانتصار في النتائج العسكرية لتلك الحرب بقدر ما تجلى في مظاهر الفرح والسعادة التي سادت عموم الشعب الافغاني على خلاصه من حكم اتسم بالظلم والقهر والتخلف والقتل والسلب والنهب، وتخصص في اغتيال عشرات آلاف الابرياء في حوادث ارهابية لم يسمع بمثلها العالم من قبل، وفعل كل ذلك باسم الدين!
ونرجو، بعد كل ذلكِ ان يدرك الجميع بان الفطرة السليمة، وليس تلك التي يدعو لها الجهلة هي الغالبة دائما.