تساؤلات المزيدي
إن من اكثر الامور مدعاة للتعجب ذلك التطور الذي حدث في اواخر القرن الماضي ضمن غالبية الاديان الرئيسية بحيث ظهرت الاصولية في كل واحدة منها بصورة جلية، واصبحت بعض بياناتها مدعاة للشعور بالصدمة بسبب ميلها الواضح للعنف الذي ظهر في صور اغتيال المصلين في دور العبادة (لبنان والجزائر) وقتل الاطباء في عيادات الاجهاض (اميركا واوروبا) وقتل رؤساء دول بسبب معارضتهم لهذه الجماعة الاصولية او تلك (مصر/السادات)، كما حدث العديد من الانقلابات على حكومات قوية في اكثر من دولة بسبب هذا الشكل او تلك الصيغة من الاصولية (ايران وغيرها).
وبالرغم من ان هذه الاعمال الارهابية تقوم بها مجموعات صغيرة في اكثر الاحيان، الا ان الغالبية المسالمة من الشعب والكارهة للعنف تبدو في مثل هذه الاحوال مرتبكة وغير قادرة على اتخاذ قرار واضح بسبب معارضتها لكل ما تمثله المجتمعات الحديثة من قيم ايجابيةِ ان الاصوليين بشكل عام، لا وقت لديهم للديموقراطية، ولا الى حكم الاغلبية، ولا يؤيدون مواضيع التسامح الديني والعيش بسلام وحرية مع الآخرين، كما انهم ضد حرية الرأي، ومعارضون اشداء لفكرة فصل الدين عن الدولة.
وقد فاجأ انبعاث الاديان، او الروح الدينية المتطرفة، مرة اخرى الكثير من المراقبين، حيث كان الاعتقاد السائد في منتصف القرن الماضي ان حركة العلمانية، او 'السكيولرزم'، التي كانت سائدة وقتها غير قابلة للانتكاس، وانها تتقدم بخطى حثيثة في كل دولة، وان الدين سوف لن يلعب دورا رئيسيا مرة اخرى في مجرى حياة اية دولةِ وقد بني هذا الافتراض على اساس انه كلما اصبح البشر اكثر عقلانية وتعليما واطلاعا فانهم سيصبحون بالتالي اكثر ميلا للتسامح وقبول الاخر، وستقتصر علاقتهم بالدين، ان وجدت تلك العلاقة، على ممارسة شعائره اما من خلال المنزل او اقامة الشعائر الجماعية في دور العبادة.
لكن، وفي منتصف السبعينات بدأ الاصوليون بالتمرد على السيطرة العلمانية، وبدأوا باخراج الدين من وضعه الهامشي الى مركز الاهتمام، وحقق الاصوليون في هذا المجال انتصارا واضحا، واصبح الدين مرة اخرى قوة من الصعب على اية حكومة انكارها والعيش بعدها بسلامِ ومن السهل على المراقب تتبع ما حدث في العالم، والشرق الاوسط بالذات، من تطور في الاصولية سواء ما تم على ايدي الاخوان المسلمين وتنظيمات الاغتيال فيها، او الانعكاسات المحلية والدولية العنيفة للثورة الايرانية مرورا بحركات الجهاد والتكفير والهجرة والافغان والبوسنيين العرب وانتهاء بالقاعدة وبن لادن وحركة طالبان وما تمثله من عنف الدولة الاسلامية في اكثر صورها اصولية وتطرفاِ ولا ننسى في هذه العجالة ما حدث ويحدث في الجزائر وعمليات القتل والذبح من الوريد الى الوريد التي جرت في البيوت والمخادع والمساجد لرجال ونساء وأطفال بعد ربطهم والتمثيل بهم، كما ان من الصعب تخيل مدى شراسة وعنف وتطرف وعدم انسانية اعمال القتل تلك، متى ما عرفنا انها تجري في دولة تدين بدين واحد، والجميع يتبع مذهبا محددا ويتكلم لغة واحدة، ان استبعدنا الاقلية الامازيغية، وينتمي لعرق واحد وذي ملامح بشرية موحدة ولا توجد طبقية فيه، وينتمي لجيل قاتل آباؤه وامهاته قبل جيل واحد فقط جنبا الى جنب المحتل الفرنسي.
نعود للتساؤل الذي طرحه الاخ عبدالحميد المزيدي وآخرون في مقالاتهم عن اصل الارهاب، هل هو شرقي ام غربي؟ ونقول اننا لا ندعي باننا نملك جوابا غير ما ذكرناه سابقا، ولكن من المؤكد ان الجواب الكافي الشافي صعب بالفعل ويحتاج الى قراءة العديد من المراجع والمستندات والمخطوطات والاطلاع على تقارير اجهزة المخابرات ومقابلة عشرات الخبراء لكي نخرج بشبه جواب، لكن من المعروف، ومن خلال مؤلفات وآراء الكثير من ائمة الاصولية الاسلامية وابحاث السيد القمني وكتب خليل عبدالكريم ودراسات محمد سعيد عشماوي والعشرات غيرهم، ان تاريخ العنف في الاسلام سابق بكثير لنشوء فرقة الحشاشين عام 1090، وما كان للدولة ان تقوم وتقوى شوكتها وتنتشر في كافة اركان الارض بغير ارهاب العدو سواء باظهار القوة له من رباط خيل وغيره او بالعنف الدموي الرادع لكل من سولت له نفسه الخروج منها او عليها(!!).
كما يجب ان نشير هنا إلى أن المسلمين هم اول من ابتدع اسلوب انتحار المدنيين من اجل قضية ما، عن حق او عن باطل، كما جرى في لبنان في حوادث التفجير التي جرت ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية، وهي المبررة قانونيا واخلاقيا، او تلك التي جرت ضد مبنى قوات المارينز والسفارة الاميركية في لبنان، وتفجير مبنى القوات الاميركية في الخبر.
وعليه، لا يحق لنا ان نجزم بشكل قاطع بان الارهاب لم ينشأ في الشرقِ كما لا يمكن الجزم بان الارهاب نشأ وترعرع في الغرب، فالمسألة أعقد من ذلك بكثيرِ لكن من الممكن ان نقول ان غالبية دول العالم قد تغيرت وتطورت واصبحت شعوبها اقل ميلا للعنف واكثر التزاما بالقوانين والشرائع وامحت لدى الكثير منها الاعمال الارهابية، بخلاف ما يجري في ايرلندا ومنطقة الباسك الاسبانية، كما اختفت تماما تلك الميول الانتحارية التي كان يتميز بها العسكري الياباني من طبقة الساموري مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد اضمحلال مكانة الامبراطور وضمور قدسيته، وبقينا تقريبا المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تزال تصدر الارهاب لكافة انحاء العالم، وكل ذلك بسبب شعور الاضطهاد او الدونية المسيطر علينا منذ اكثر من نصف قرن، والذي يجعلنا نعتقد بأن ليس في امكاننا فعل شيء غير محاولة انزال اقصى الخسائر البشرية والمادية بالعدو، اميركيا كان ام صهيونيا ام انكليزيا او حتى فرنسيا، واحيانا كثيرة بصديق سابق او قريب!! تطبيقا لفكر منظمة الجهاد الاسلامي التي تقول ان قتال العدو القريب، ولو كان اخا شقيقا، اولى من قتال العدو البعيد، ولو كان صهيونيا متعصبا!!
احمد الصراف