المطلوب رأس الصحافة الحرة
من المعروف والمتفق عليه لكل مراقب أن الجماعات الليبرالية أو 'شبه الليبرالية' بمعنى ادق، تفتقد المؤسسة المدنية الشرعية التي يمكن ان تجمع شتاتهمِ كما، وربما بسبب ذلك، تفتقد الموارد المالية والقيادة السياسية شبه الموحدة.
ونرى في الجانب الآخر، اي ضمن الفريق المناوئ لهذه المجموعات الليبرالية، أحزابا منظمة ذات قاعدة عريضة تعمل ضمن اطر قانونية وتحت اسقف مبان ضخمة وكبيرة ومرخصة، وضمن هامش حرية غير محدود، مع صلاحية مطلقة في جمع كل ما تستطيع جمعه من اموال وتبرعات عينية وصرفها بالطريقة وفي الجهة التي تحلو لها، مع اعطائها حق القيام بمختلف الانشطة الاستثمارية والتمويلية وتأسيس مختلف الشركات والمؤسسات العلنية والسرية دون رقابة أو محاسبة من اي نوع كانت.
الا انها، وبالرغم من كل ذلك الجبروت المالي الذي تمتلكه، وكل ذلك النفوذ السياسي والإداري الذي اصبح طوع بنانها، لاتزال عاجزة عن السيطرة على الشارع بشكل تام للعديد من الاسباب، والتي من اهمها، بنظري المتواضع، هامش الحرية المتوافر لكتاب الصحف، وذلك التأثير العجيب لحفنة من الكتاب الصادقين مع أنفسهم ومع قرائهم، والتي لم تستطع آلة الاحزاب الدينية الرهيبة، المتمثلة في الاموال والنفوذ السياسي والإداري القضاء عليها، أو على الاقل فرض الصمت عليها.
ومن هنا جاءت الحاجة لقوانين مفصلة يمكن عن طريقها السيطرة لمرة واحدة وإلى الأبد على اي صوت يعلو فوق صوت الفقه من وجهة نظر تلك المجموعة المتخلفة التي تريد ان تعود بنا وبأحوالنا وقوانيننا وطريقة معيشتنا ونظامنا القضائي وسلطتنا الشرعية والتشريعية إلى القرون الوسطى.
وهنا يتبين لنا عظم القوة التي تمثلها الصحافة الحرة المستنيرة، التي دعت أحد السياسيين البريطانيين إلى القول انه يفضل الف مرة العيش في دولة بلا ديموقراطية ولكن تتوافر فيها صحافة حرة على العيش ولو ليوم واحد في دولة حرة وبرلمان منتخب بصورة ولكن من غير صحافة حرة.
ان الحلم الذي يراود بعض المجموعات في انشاء الدولة الثيوقراطية، او حكومة ورجال الدين، لا يمكن ان يتم، أو يتحقق، في وجود صحافة حرةِ وقد بينت تجربة الثورة الايرانية، وبعد نجاح الرئيس الاصلاحي خاتمي، مدى اهمية صوت الصحافة هناك بحيث شنت قوى التخلف والردة في تلك الدولة حربا شعواء على الصحافة والصحافيين فزجت بالعشرات منهم في السجون، واصدرت مختلف الاحكام المالية القاسية على عشرات الآخرين منهم والغت تراخيص مئات المطبوعات.
كما اثبتت الوقائع وتاريخ الاحكام القضائية المستنيرة في الكويت ان هذه الحرية لا يمكن القضاء عليها بوجود القوانين الوضعية الحاليةِ وبالتالي فان الطريق الاسلم والاسرع للوصول إلى الحكومة الدينية أو التي يسيطر فيها رجال الدين على مقدرات البلاد لا يمكن ان يتم بوجود صحافة حرة.
ولكن لجم وتقييد هذه الحرية لا يمكن ان يتم بدون قوانين أو احكام شرعية يمكن عن طريقها القضاء على كل صوت حر، وبالتالي تخلو الساحة لقوى الظلام لتفعل ما تشاء، وهنا ستحدث الطامة الكبرى.
وعليه يتبين ان ما يهدف إليه مقدمو 'قانون العقوبات الشرعية' ومجموعة المطبلين والمزمرين لهم ليس نشر العدل في البلاد عن طريق تطبيق حد قطع اليد على السارق وقطع رأس القاتل وجلد أو رجم الزاني أو الزانية، بل ترهيب الصحافة وتكميم افواهها وحبس كتابها وجلد محرريها والانتهاء باغلاقهاِ وعندهاِِ وعندها فقط، تخلو الساحة من اية معارضة ويمكن وقتها فرض اي امر وتطبيق اي قانون دون الخوف من الانتقاد أو حتى النقد.
اعتقد، واتمنى ان اكون مخطئا، بأن هذا القانون، أو شيئا مشابها له، ستتم الموافقة عليه في نهاية الامر بشكل أو بآخرِ فمن تقدم بمشروع قانون العقوبات الشرعية بصورته المهلهلة تلك وبتلك العجالة الغريبة بحيث لم يتمكن حتى من حذف أو تعديل مجموعة كبيرة من الكلمات التي تضمنها مشروع القانون والتي لا تمت بصلة للغة العربية أو اللهجة المحلية، لم يفعل ذلك اعتباطا بل قام بذلك الامر، وهو عالم بذلك، لكي يزايد على مشروع قانون آخر موجود في ادراج مجلس الوزراء وهو الذي ربما سيرى النور في نهاية الأمر.
ِِوما على الرسول الا البلاغ!