كيف يجعلك معجون الطماطم مليونيرا؟
ربما كنت في العاشرة من العمر او نحوها عندما أصيب كامل محصول الطماطم في ايطاليا بمرض زراعي، وكان ذلك قبل اكثر من 40 عاماِ وكانت نتيجة ذلك قيام المصدرين الطليان بغش بضاعتهم حيث قاموا بتعبئة علب معجون الطماطم بسائل يشبه عصير الطماطم بدلا من المعجون، او رب البندورةِ وقد وجد مجموعة من مستوردي المواد الغذائية في الكويت أنفسهم أمامهم عشرات آلاف الكراتين من مادة لا يمكن بيعها، وكان والدي واحدا من أولئك الموردين.
كان معجون الطماطم، ولا يزال، يشكل عنصرا مهما في 'الكويزين' الكويتي سواء في عملية تحضير مرق السمك او اللحم، او لتحضير الدقوس المدعوم بمادتي الفلفل والثوم! واحتار الكثير من التجار في كيفية التخلص من كل تلك الكمية الكبيرة من عصير الطماطم، وقررت الدخول على الخط والتبرع بخيراتي التجارية التي تكونت من خلال تجربتي مع اليانصيب المحلي، ومساعدة الوالد، في التخلص من تلك البضاعة المغشوشة والتي كانت بالرغم من ذلك صالحة للاستهلاك الآدمي.
أقمت بسطة في نهاية سوق الطحين في الجزء الذي يطل على سوق الخضرة بين محل داوود البصيري على الزاوية اليمنى ومحل الحاج احمد المحميد على الزاوية الاخرىِ وتمكنت، وبمعونة لوجستية من بعض صبية الحي الذي كنت أسكن فيه، من بيع كميات لا بأس بها من ذلك المعجونِ وكنا نصرف ربح كل يوم في شراء ألواح شوكولاتة 'الكيت كات' وزجاجات المرطبات.
بعد فترة قصيرة تناقص البيع بشكل مخيف بعد ان اكتشف رواد السوق وخاصة النساء اللواتي كان يقع على الكثيرات منهن في تلك الأيام عبء شراء المواد الغذائية من السوقِِ ان ما يعرض عليهم من معجون لم يكن اكثر من عصير بدون طعم او رائحة او كثافة المعجون الحقيقيِ وقد لفت منظر تلك النسوة، وهن يتسوقن جارات خلفهن عباءاتهن السوداء الطويلة وطفل او طفلة في ملابس رثة، انتباهي، وقررت استغلال وجود أطفالهن معهن في زيادة مبيعاتي من معجون الطماطم.
كان لا بد من البحث عن طريقة أزيد بها البيع، فمنظر مئات كراتين الطماطم التي بقيت في المخازن بدون بيع كانت تفتت قلب أي تاجر كبير فكيف الحال بمبتدئ مثلي، اضافة الى ان فرصة الربح او التربح من هذه المشكلة التجارية قد تضاءلت لأسباب كثيرة.
وفجأة خطرت لي فكرة، تشبه تلك التي خطرت للأخ الصديق بيل غيتس الذي كون وشريكه شركة مايكروسوفت على اساسها قبل سنوات، فقد تذكرت ان في المخزن صناديق خشبية كبيرة تحتوي على قوالب صابون 'تواليت'ِ وان في كل صندوق خشبي كبير منها كيس ورق يحتوي على خمسة بالونات ملونة، وان من الممكن استغلال تلك البالونات تجاريا في عملية معجون الطماطم.
أخذت إذنا من والدي باستخراج تلك الأكياس من صناديق الصابون فوافق دون ان يسألني عن السبب!
واجهتني مشكلتان في تحقيق هذا الأمر، تعلقت الأولى بالحرارة الشديدة، حيث ان الوقت كان صيفا، وكانت الصناديق مرصوصة على بعضها البعض الى أعلى نقطة في المخزن المغطى بألواح مصنوعة من الحديد المضلع، وكان علي ان ألتصق، تحت درجة حرارة عالية بذلك الحديد لأتمكن من عمل فتحة صغيرة في كل صندوق أمد يدي الصغيرة من خلالها لسحب كيس البالونات اللعينِ وكانت المشكلة الثانية تتعلق بالأطواق الحديدية القوية التي كانت تحيط بالصناديق الخشبية في كل اتجاه، حيث ان عملية تقطيعها بالطرق البدائية لم تكن سهلة ابدا، واضطررت في نهاية الأمر الى صرف مبلغ كبير، في حينه، لشراء 'جلابتين' او مقص حديد لقطع تلك الأطواق.
خرجت من تلك العملية، وبعد جهد استغرق اكثر من 4 ساعات، وعشرين جرحا في مختلف انحاء جسدي، ودشداشة ممزقة مرقطة بالأتربة والدماء، وبعد فقد ما لا يقل عن ثلاثة لترات من العرق الغالي والثمين، خرجت من كل ذلك بمائة بالون ملون.
أمسكت بأكياس البالونات بكلتا يدي وأسرعت بها الى السوق حيث كان اصحابي بانتظاري وأخذت وأنا في الطريق أنفخ في البعض منها فأفلت مني واحد وطار عاليا وانفجر اثنان في وجهي مرطبين إياه ببعض السوائل غير اللطيفة.
جلست في البسطة مع اصحابي وشركائي في المشروع وقمنا بنفخ كافة البالونات وشكل منظرها وهي تتمايل أمامنا بألوانها البراقة والزاهية تغييرا كبيرا في ذلك السوق كالح اللون وكئيب المنظر، وأخذ الأطفال الذين تواجدوا في السوق في تلك اللحظة حول أمهاتهم بالنطنطة محاولين الإمساك بالبعض منها وأخذ البعض الآخر بشد عباءات أمهاتهم طالبين منهن شراء واحد منها، وهنا انهالت الطلبات علينا ولكننا رفضنا فكرة البيع واشترطنا إعطاء بالون هدية مع كل دزينة من علب المعجونِ وتمكنا في نهاية اليوم من بيع اكثر من 70 دزينة من ذلك المعجون.
وفي نهاية مشروعنا التجاري وبعد ان انتهت عطلة الصيف عدنا الى مدارسنا بعد ان قمنا بتصريف ما لا يقل عن 350 دزينة من علب المعجون وبمختلف الاحجام، وتبقى بعد ذلك في مخزن الوالد 22000 دزينة اخرى بيعت بعد سنوات طويلة بطريقة او بأخرى.
وهنا ايضا تحطمت احلام صبي صغير في ان يصبح اصغر مليونير في تاريخ الكويت.
احمد الصراف