الختم العجيب
يقوم بعض المؤسسات الدولية، وكذلك بعض الادارات المتخصصة في العديد من الدول، بمنح شهادات جودة معينة تتعلق إما بالانتاج الصناعي او الزراعي او الاداريِ كما يقوم كثير من الدول بمنح شهادات للعديد من مواطنيها المبدعين في الميادين الثقافية والفكرية والأدبيةِ كما تقوم مؤسسة جائزة نوبل العالمية بتوزيع العديد من الجوائز المرموقة في مختلف الميادين الانسانيةِ وتقوم حكومات بعض الدول بتوزيع الألقاب الملكية وغيرها على نخبة من مواطنيها كل عام في احتفالات مهيبة تقديرا للجليل من اعمالهم وخدماتهم للدولة.
من جهة اخرى، يفتخر العديد من الأمم بمنجزات مواطنيها وما تقوم شركاتها ومصانعها بانتاجه من مواد ومنتجات وخدمات فنراها تضع في مكان بارز وواضح ختم 'صنع في اميركا' او 'صنع في المانيا'.
وحدها الكويت انفردت، كالعادة، وتميزت وقامت باختراع لم يسبقها اليه احد ويتمثل في صناعة ختم كبير لا يحمل غير جملة واحدة من ثلاث كلمات توضع على مختلف السلع والمواد والمصنوعات والافكار والابداعات الأدبية والثقافية والفنية المرفوضة لسبب او لآخرِ والغريب ان 'ختم الجودة' هذا اصبح يعني شيئا ما لمراقبي ومسؤولي الدول الاخرى، حيث اصبحت تلك الدول تتهافت على كل منتج او فكرة او خدمة تحمل ذلك الختم وتقوم بتبنيه واستخدامه او تطبيقه، وايضا منحه جنسيتها في حالات كثيرة!
وقد ازدادت مجالات استخدام ذلك الختم بشكل كبير في السنوات الاخيرة، واصبح يشمل الاختلاط في الجامعة وانشاء جامعات اجنبية، ومسرحيات وافلاما سينمائية واغاني واعمالا فنية اخرىِ كما اصبح يشمل مؤخرا اشخاصا غير كويتيين ولكن مبدعين ومخلصين، وشمل كذلك مؤلفات فكرية وثقافية وسياسية ودينية ونشرات وصحفا ومجلاتِ كما اصبح يوضع ويسري على العديد من المنتجات الصناعية والافكار التجارية والحلول الجيدة للعديد من المشاكل واصبح يشمل جنسيات دول معينة بعد ان كان يقتصر على اشخاص معينين.
ونص ذلك الختم العجيب والذي توجد منه مئات النسخ موزعة على وزارات الشؤون والتجارة والتربية والتعليم والاوقاف والمالية والمواصلات والجمعيات التعاونية ووزارة الداخلية والذي تم توزيع او صنع نسخ سرية منه على الاحزاب الدينية التي اصبحت تضعه على كل ما لا يعجبها.
ونص الختم هو 'منع في الكويت'! وهو اعجب ختم في تاريخ البشريةِ فكل شيء ممنوع في الكويت! فالفكرة التجارية الجديدة ممنوعة، والمشروع الصناعي الناجح ممنوع، ومواطنو دول معينة ممنوعون من دخول الكويت، والاختلاط في الجامعات الحكومية والخاصة ممنوع والتدخين في الشارع العام ممنوع، و 'الانترنت' ممنوع، وإبقاء ارقام السيارات دون تغيير لأكثر من 5 سنوات ممنوع، وجمع السلاح من المواطنين ممنوع، ومنع النواب من التدخل لصالح المجرمين والمهربين ممنوع، والتشديد في تحصيل فواتير الكهرباء ممنوع وتطبيق القوانين ممنوع، وتسهيل دخول السياح ممنوع، وإزالة التجاوزات على أملاك الدولة ممنوعةِ باختصار كل شيء ممنوع اولا ثم ينظر في الطلب بعدهاِ.
لا نود ان نسترسل اكثر من ذلك، فصفحات عدد اليوم اصغر من ان تشمل قائمة الممنوعات الكويتيةِ ولكن من حقنا ان نفتخر بأن الكويت هي الوحيدة التي اصبحت مؤخرا عدوة نفسها، واصبح المنع هو القاعدة، مع ان القاعدة الدينية تقول ان الاصل الإباحة! فهل من حل لهذا الوضع الشائك والشائن؟.
احمد الصراف