الأطر الوهمية
يصر الكثيرون على وضع البعض منا، وخاصة المنتمون منا لاقليات عرقية او سياسية او مذهبية معينة، ضمن اطر جامدة محددة، ورفض او استنكار اي محاولة منا الخروج من تلك الاطر والاندماج بصورة طبيعية في المجتمع الاوسع والارحب والاكثر تسامحا عادة.
ويتمثل ذلك الرفض او الحجر في عدم تقبل قيام هذه الفئة بالتصدي، شفويا او كتابيا، لاية مواضيع او قضايا فكرية تمس اطرافا آخرين ينتمون لاتجاهات فكرية او مذهبية او سياسية او عرقية تقع خارج تلك الاطر.
وقد عانيت شخصيا الكثير من هذا الامر، من خلال مواقف ومكالمات وملاحظات وردود مكتوبة وشفوية تستنكر تطرقي لبعض القضايا السياسية القومية او الدينية المذهبية بحجة ان الاطار الذي تم اختياره لي لا يسمح بالتطرق لمثل تلك القضايا.
وكنت اعتقد لفترة قصيرة مضت، ان هذا الامر قاصر على فئة صغيرة تفتقر للرؤية السياسية والدينية السليمة، وان الجهل او قلة الفهم او ربما الحقد والحسد هما اللذان يقفان خلف بعض تلك المواقف الساذجة، ولكن تبين لي ان هناك اطرافا كثيرة اخرى، ومنها من سبق ان كانت ولا تزال، تعمل وتنادي وتحارب من اجل تأصيل قضايا الحرية السياسية والفكرية والدينية في هذا الوطن ومن خلال صحف معينة بالذات، لا يقل تطرف نظرتها كثيرا عن تطرف نظرة المجموعات الاخرى، وان حرصها على وجود تلك الاطر 'الوهمية' لا يقل عن حرص الآخرين، واعتقد ان سبب ذلك ربما يعود اما لعدم رغبة هؤلاء في ان تكون قراراتهم 'المتسامحة' مع البعض منا محل انتقاد الآخرين، او لقناعتهم التامة بأن ما يقومون به من حجر ومنع هو الصحيح.
* * *
انني اعلن هنا عن اشمئزازي لاية اطر 'وهمية' يصر الآخرون على وضعي ضمنها، واعلن كذلك عن انتمائي لوطني وايماني بنصوص دستور هذا الوطن بكل ما يعنيه ذلك الايمان من تمسك بهوية معينة ولغة محددة، دون ان اجبر على ضرورة الانتماء لعرق معين او مذهب ديني محدد.
فعندما تطلب الدولة مني ان اضحي بوحيدي او بكل ابنائي في سبيل الوطن وانخراطهم في الخدمة العسكرية مثلا، ولا يتم استثناؤهم بسبب اختلاف اصولهم او مذاهبهم عن الآخرين، وعندما اجبر على تحمل تبعات قرارات الآخرين من غير المنتمين لي عرقيا، وعندما اضر من فتاوى ممن لا ينتمون للمذهب الذي وضعني الآخرون ضمن اطاره، وعندما اجبر على قبول رأي او حكم من لا يمت لي بصلة عرقية ودينية ومذهبية، فان من حقي تبعا لذلك وبحكم قوانين المنطق والعدالة، ان اعامل كأي مواطن 'عادي' آخر، بكل ما تعنيه هذه الكلمة البسيطة من رفض لاي اطار يصر الآخرون على وضعي وحبسي فيه، وان من حقي بالتالي انتقاد كل ما اراه في غير صالح هذا الوطن وصالح مواطنيه وضيوفه المقيمين على ارضه دون الالتفات، ولو للحظة واحدة، للظروف المذهبية التي وجدت نفسي فيها او للاصول العرقية التي سبق ان انحدرت منها.
كما اعتقد، من جهة اخرى، وبكل اخلاص ان عملية النقد شبه اليومية التي اقوم بها في اية 'ديوانية' او حفل عشاء او لقاء او تجمع، هي عملية طبيعية تنطلق من قناعات معينة وتعتبر من صميم واجبي كمواطن اولا وككاتب ثانياِ وان سكوتي عن الحق او ما يشكله قول ما او تصرف ما من ضرر بالغ علي وعلى المجتمع ككل، سيتسبب في نهاية الامر في تضرري منه ومن نتائجه وسوف لن يحميني اختلاف مذهبي وقتها من اصابتي بالضرر مثلي مثل الآخرين، شئت ام ابيت، تشيعت ام تسننت!!!.
احمد الصراف