اهتمام نائب
ركب السيد النائب (ِِِ) الطائرة الجامبو وجلس على أحد مقاعدها، وما هي الا لحظات حتى انطلقت محركاتها تهدر بقوة، وبدأت تتحرك في تثاقل واضح في البداية، ثم تزايدت سرعتها تدريجيا، وخلال ثوان ارتفع جسم الطائرة الضخم والعملاق بركابها الاربعمائة وبأطنان الأمتعة التي تحملها وبكل ما تمثله محركاتها ومعداتها من ثقل رهيب، وانطلقت في الفضاءِ وبعد فترة قصيرة تعادلت في وضعها وسمح للركاب بفك الأحزمة والتحرك بحرية فيها.
اضيئت لوحة المعلومات الكبيرة المثبتة امام المسافرين وظهرت على الشاشة مختلف المعلومات عن سرعة الطائرة، والتي بلغت لحظتها 900 كيلومتر في الساعة، وارتفاعها عن سطح البحر والذي كان بحدود 32 الف قدمِ كما بينت الشاشة موقع الطائرة على خريطة العالم، وتوقيت مطار المغادرة وموعد الوصول بالدقة، والتوقيت المتوقع في مكان الوصول ودرجات الحرارة خارج وداخل الطائرة ومجموعة اخرى من المعلومات المفيدة.
تمدد النائب المحترم على كرسيه بعد ان ضغط على مجموعة من الأزرار وعدل فيها من وضع جسده 'المرحرح' وهو ممسك بكأس الشراب العذب في يده اليمنى بعد ان وضعت المضيفة امامه مجموعة من المكسرات ليقوم بالتسلي بها، وبعد ان وضع السماعات الكبيرة حول رأسه ليستمع من خلالها لأعذب الاغاني العربية القريبة لقلبه ولأذنيه الكبيرتين بشكل مفرط.
وفجأة انتفض السيد النائب في جلسته وكأن عقربا لدغه وهب واقفا من مكانه وهرول إلى رئيس المضيفين وطلب مقابلة الطيار أو استدعاءه إلى حيث يقف لان شيئا خطيرا قد حدث ويود اطلاعه عليه.
ما ان حضر الكابتن أو قائد الطائرة ورئيسها غير المنازع في تلك المنطقة الفريدة بين السماء والأرض وعلى ارتفاع ثلاثة كيلومترات عن سطح الأرض تقريبا حتى امسكه النائب المحترم والعبقري من يده وأخذه للكرسي الذي يجلس عليه واشار إلى قماش كرسي الراكب الموجود امامه وسأل الكابتن ان كان له علم بذلك 'الكفر'(!!) نظر الكابتن إلى الكرسي وتفحصه مليا ومد شفتيه وكأنه يقول انه لم يفهم أو ير شيئا ونظر إلى وجه النائب مستفسرا وهو يهز رأسه دليل جهله بما يرمي إليه السيد النائب، فقال له هذا يغضب واضح وبصوت عال سمعه الجميع بان لفظ الجلالة مطبوع ضمن 'نقشة' قماش كراسي الطائرة، وهذا لا يجوز فهو نوع من الكفر ومن عمل الكفار الذي يهدفون إلى الاساءة للإسلام والمسلمين من وراء هذه الأعمال(!!).
تنفس الكابتن الصعداء فقد كان يعتقد بان امرا خطيرا قد حدث مما استدعى ثورة النائب المضرية وغضبته النيابية ونظر باستخفاف للسيد النائب وقال له بكل هدوء:
ياسيدي لقد تكلف بناء هذه الطائرة اكثر من 200 مليون دولار وشارك في صنعها مئات الفنيين والمهندسين والخبراء، وتحتوي على اروع وآخر ما اخرجه العقل البشري من تقدم في المواصلات والاتصال والامان، كما تحتوي اضافة لذلك على مختلف وسائل الراحة والرفاهية لخلق محيط سفر مثالي وذلك عن طريق عشرات أجهزة الكمبيوتر المعقدة والتي تعمل بدقة متناهية وتتصل بالعديد من مطارات العالم وبمجموعة من الاقمار الصناعية التي تحدد موقع الطائرة وارتفاعها وحركاتها في كل لحظةِ كما تحمل الطائرة الآن أرواح 400 من المسافرين وملاحي الطائرة ووراءهم آمال وأحلام آلاف الأهل والاقرء بانتظار وصولهم، ويؤسفني ياسيدي ان لا شيء شغل بالك واسترعى انتباهك من كل تلك الاختراعات والاكتشافات والانجازات العلمية الكبيرة التي احالت حياتنا إلى راحة متصلة ورفاهية منقطعة النظير غير ذلك الشكل الذي اصرت عيناك على ان ترياه على شكل لفظ الجلالة(!!)؟
أحمد الصراف