الحميضي وبر الصبية
كعادة جارنا وصديقنا وشريكنا نجيب الحميضي في شتاء كل عام، ومنذ أربعة اعوام، فقد سار بقافلته وركبه ونحن معه، ونصب خيامه في منتصف الطريق المؤدية لمنطقة 'أم نقا' الحدودية الشمالية على طريق الصبية.
يبلغ طول طريق الصبية اكثر من خمسين كيلو مترا، وهو طريق ضيق ومزدحم وذو اتجاهين، ويفتقر للاضاءة ولكافة متطلبات السلامة.
عندما طرقت ذلك الطريق لأول مرة منذ أربع سنوات كان شبه خال، وكانت القيادة فيه سهلة وممتعة الى حد ما، ولكن الامر تحول الى كابوس مخيف في هذه السنة بعد ان زادت حركة السير فيه بشكل غير معقول، وخاصة من المركبات العسكرية وسيارات الشحن ونقل المياهِ كما زاد عدد المخيمات في المنطقة بعد ان اكتشف الكثيرون جمالها وقلة اكتظاظها ب 'هواة البر'.
عندما تمر في ذلك الطريق بعد ان تصبح مدينة الجهراء من خلفك، تطالعك عشرات اللوحات الحمراء التي تحذر الجميع من الاقتراب من تلك المنطقة المسيجة لكونها منطقة عسكرية، وعندما تمعن النظر فيما وراء السياج تجد ان اغلب المخيمات نصبت خلف تلك اللوحات بالذات، وكأن هدف اصحابها السخرية ممن وضعها محذرا، ولسان حالهم يقول ان لا شيء في هذه الدولة يخيف وان لا احد يحترم قوانين الدولة.
ما ان تقطع مسافة قصيرة من الطريق حتى تبدأ لوحات حماية البيئة بالظهور في الوقت الذي تختفي فيه الجمعية والهيئة عن المنطقة، وكأن دورهما قد انتهى عند انتهائهما من وضع تلك اللوحات التحذيرية على جانبي الطريق، علما بان اللوحات تخاطب اصلا من لا يعرف القراءة في المقام الاول(!!).
بعد فترة سير قليلة تطالعك، على جانبي الطريق ايضا مئات الجمال التي ترعى في المنطقة التي منعت قوانين البيئة الرعي فيها، ولكن يبدو ان الجمال لا تعرف بأمر تلك التعليمات الوزارية، كما ان جهلها تسبب في وجود جثث العديد منها على جوانب الطريق بعد ان دفعها سوء حظها للاصطدام بالسيارات المارة في ذلك الطريق الضيقِ وان خففت السير قليلا فستشاهد بجانب تلك القطع الكبيرة من الجمال النافقة جثث عشرات القطط والكلاب 'الممعوسة'!
ان السير في ذلك الطريق يعطي المراقب فكرة واضحة عن مدى غياب الدولة، بكافة اجهزتها، عن المنطقةِ فلا مخفر قريبا ولا رقابة مرورية ولا رقابة من البيئة ولا رقابة صحية على البقالات السيارة، ولا تنظيف للمنطقة من انقاض القمامة ولا رقابة على منطقة المنتزه القومي المحظور ارتيادها، والتي تحولت مساحات كبيرة منها الى مجمعات للقمامة ومركز لاكياس البلاستيك والفضلات الأخرى، بعد ان تم عمل فتحات هائلة الحجم في السياج المزدوج الواقي الذي وضع لمنع البشر والبقر من ارتياد المنطقة، ولكن يبدو ان سيارات 'السوبرمان' لا تعرف القراءة ايضا، او ربما، كأصحابها، لا تود ان تصدق ان للدولة هيبة في هذا الوطن الذي يتعرض كل شيء فيه للتدمير على ايدي مواطنيه بالذات.
تعتبر منطقة الصبية الامتداد الطبيعي لمدينة الكويت، خاصة متى ما تم انجاز الجسر المزمع انشاؤه على امتداد طريق الغزالي ولمسافة 22 كيلو مترا، والذي سيكون نقطة انطلاق انشاء مدينة الصبية التي ستستوعب 'مستقبلا' نصف مليون نسمة!
اننا ندعو مسؤولي الدولة المعنيين بالامن والبيئة والصحة والبلدية للقيام بزيارة تلك المنطقة والاطلاع عن كثب على ما يجري فيها من تعد وتدمير وتلف لكافة مقومات المنطقة وامكاناتها الحيوية والجميلة، هذا اذا اردنا للمنطقة ان تبقى حيوية وجميلة قبل ان تنقلب الى غابة من الاسمنت المسلح.
أحمد الصراف