هل هي بداية حسبة؟
بذلت جهدا، ولفترة تقارب الشهر، لكي استمتع وعائلتي بإجازتي الصيفية المتأخرة كالمعتاد، وذلك عن طريق قضائها بدون صحف او مجلات ولا تلفزيون ولا 'انترنت' ولا بريد ولا حتى اتصال هاتفي مع الكويت، الا ما ندر، وفي محادثات قصيرة ومقتضبة تتعلق فقط بامور العمل.
وكانت نتيجة ذلك اول اجازة، ومنذ ربع قرن، خالية تماما من اي نوع من المنغصات او المتاعب او التفكير والتفاعل الجدي مع ما كان يجري في العالم من حولي خلالها.
جلست في قاعة مطار بيروت، بعد انتهاء تلك الاجازة 'الممتعة' انتظر الطائرة المتجهة الى الكويت، وامتدت يدي، ولاول مرة منذ شهر تقريبا، الى كومة الصحف العربية الموجودة على الرف القريب مني وسحبت منها صحيفة الحياة 'الدولية' (الاربعاء 6/10) وفوجئت، بل صدمت، لقراءة خبر سجن الاستاذ الجامعي والكاتب المبدع والحر وداعية حقوق الانسان دِ احمد البغدادي تنفيذا لحكم صدر بحقه قبل اقل من 24 ساعة 'ايداعه' سجن طلحة (!!!) الذي طالما كتب عنه وعن 'بلاواه' وعما يشكله من وصمة عار في سجل حقوق الانسان في الكويت.
من الصعب ان اصف ما انتابني من شعور عميق بالحزن والاسف الشديدين لما آل اليه الامر مع هذا الانسان المجبول على حب الحق، وكانت قراءة ذلك الخبر المؤسف كفيلة بالقضاء، وفي لحظات قليلة، على كل ما 'كسبته' من راحة جسدية ونفسية خلال تلك الاجازة، وشغل الامر تفكيري طوال الوقت الذي استغرقته الرحلة، وما ان وصلت الى البيت حتى طلبت صحف اليوم لعلي اجد فيها خبرا يتعلق بتعليق تنفيذ الحكم او تدخل من طرف ما او استنكار من مجلس الامة او اي شيء من هذا القبيل، ولكن خاب ظني في الجميع، ولم يفارقني احساسي بالالم والانقباض وخاصة بعد ان قرأت بين سطور الخبر نعي ما تبقى من حرية صحفية في هذا الوطن الصغير والذي كان حتى الامس جميلا.
من السذاجة الاعتقاد بان ما حدث للدكتور احمد البغدادي مسألة تتعلق بقضية رأي فقط (!!) فالموضوع اخطر واعمق من ذلك بكثير (!!) وما نراه لا يعدو ان يكون رأس جبل جليد التعصب والتخلف المغمور تحت الماء والذي سوف لن يطول مكوثه هناك، فسرعان ما سيظهر على السطح ليقوم بمهمة اجراء الحسبة والرقابة على الجميع وليعد انفاس المثقفين والكتاب والفنانين والممثلين والنقابيين والمدافعين عن حقوق الانسان والمهتمين بقضايا الرأي وحرية الفكر (!!) اما موعدنا نحن والآخرون معهم فليس ببعيد، ولن يهدأ لهم بال او يرتاح لهم فكر 'مريض' حتى يتسنى لهم القضاء على كل اشكال المحبة والحرية والتسامح في هذا البلد الذي لا نود حقيقة ان نقول انه 'كان' في يوم ما وطنا جميلا!