هل هناك أمل؟
خرجت صباح ذلك اليوم من البيت وانا منفرج الاسارير، منشرح الخاطر، 'منشكح' النفس، مورد الخدين، احمل تحت ابطي ملفا كبيرا، يحتوي على مجموعة من الشهادات الدراسية، وصور العديد من المستندات، التي قيل لي انها مطلوبة من اجل انهاء عملية معادلة شهادة ابني الدراسيةِ ذهبت من اجل ذلك الى وزارة التعليم العالي، واذا بالصالة الرئيسية فيها تموج بعشرات الطلاب الذين قدموا من مختلف انحاء الكويت لانهاء معاملاتهم الدراسية، قلة منهم بصحبة آبائهم، ونسبة اكبر بصحبة امهاتهم وغالبيتهم من غير هذا ولا تلك.
تقدمت لموظفة الاستقبال، وقدمت لها الاوراق فقلبتها بقرف بين يديها، وسألتني عن طلبي، ولما ذكرته لها رمقتني بنظرة ساخرة وقالت: حجي مو عندنا، روح وزارة التربية!!.
فقلت في نفسي: 'راحت روحك'.
ذهبت لوزارة التربية فطلبوا مني الذهاب لادارة التعليم الخاص.
ذهبت لادارة التعليم الخاص في منطقة السرة، فقيل انها انتقلت الى السالمية.
ذهبت الى السالمية، فوجدت الادارة في مبنى مدرسة متهالك، سبق وان تم استغلاله كمقر للجنة التعويضات ، وهو مبنى بائس بمعنى الكلمة، لا يصلح ان يكون مخصصا لادارة حكومية مهمة، حيث تتوزع غرفه على آلاف الامتار المربعة، تفصل بينها عشرات الساحات الاسمنتية كريهة المنظر، والتي تخلو تماما من اية نبتة او حتى شجرة جافة الاغصانِ اخذت انتقل من غرفة الى اخرى حتى وصلت الى المسؤولة عن معادلة شهادات المدارس غير الحكومية، واذ بها تحتل منفردة 'فصلا' كبيرا كان يتسع في يوم ما لخمسين طالباِ ومن شدة ولعلها بعملها فقد قامت بلصق ورقة على باب غرفتها تطلب فيها من المراجعين (الخايسين) مخاطبتها من خلف القضبان الحديدية المثبتة على شباك الغرفة، ولا ادري لماذا ذكرتني هيئتها ومنظرها وهي خلف تلك القضبان ب 'زورو' وهو محبوس في سجن الاشرار في احد افلامه السخيفة!، قالت لي الموظفة، من دون ان ترفع نظرها عن الارض، انها 'متخصصة' بمعادلة شهادات المدارس العربية اما المسؤولة عن معادلة شهادات المدارس الاجنبية فانها غائبة، وعلي ان اعود في يوم آخر واسير لمسافة تزيد عن خمسمائة متر وتحت درجة حرارة تبلغ 45 درجة، وربما بعد كل ذلك سوف لن أوفق برؤية تلك الموظفة او تكون مجموعة الاوراق التي احضرتها معي ناقصة!!، وعند اعادة سؤال 'زورو' عن مصير زميلتها تبين انها 'حامل' وفي الايام الاخيرة من حملها، وربما يطول غيابها، ويطول عذابي!.
ذهبت لمكتب مدير عام الادارة لتقديم احتجاج على ذلك الوضع، فقيل بأن السيد ناصر الضاحي مسافر في اجازة، فقررت الاتصال بالاخ الحميدي، الوكيل المساعد، فقيل لي انه مسافر ايضا، فقررت الاتصال بوكيل الوزارة الاخ عبدالعزيز الجار الله فقيل لي انه في اجتماعِ وترددت في الاتصال بالوزير (السابق) عبدالعزيز الغانم لاعتقادي بانه لا يزال مشغولا 'لشوشته' في توقيع معاملات الخمسة آلاف موظف الذين قام بتشغيلهم في وزارته المباركة مؤخرا، وهنا اضطررت لطلب مقابلة اي مسؤول في ادارة التعليم الخاص لشرح الامر له، فقيل لي انه ليس هناك ما استطيع عمله، وعلي ان اعود في يوم آخر فربما تكون الموظفة قد وضعت حملها وعادت لممارسة عملها، طبعا بعد انتهاء اجازة الوضع والامومة والطارئة والمرضية، وهنا فقدت هدوء اعصابي، واخذت اسب والعن، في سري طبعا، ذلك اليوم الذي قررت فيه ان ارسل ابني للدراسة في مدرسة اجنبيةِ هنا رأفت بحالي سيدة تعمل في الادارة وسبق لها وان عملت معي في احد المصارف وقررت تخفيف او توضيح الامر لي فقالت بالحرف الواحد: ان هناك دولة واحدة في العالم تسمى الكويتِ وفيها وزارة واحدة فقط تسمى التربية، وفي هذه الوزارة ادارة واحدة فقط تسمى التعليم الخاص، وفي الادارة موظفة واحدة تعرف كيف تقوم بعملية معقدة جدا تسمى ب 'معادلة الشهادة' وبغيابها تتوقف عملية المعادلة وتنقلب كافة الموازين، هذا على الرغم من وجود جيش من الموظفين وبالذات من الموظفات الذين يعملون بتلك الادارة ونصفهم وربما اكثر من ذلك بدون مبالغة، متفرغ بأمر من الدولة لمهمة افطار الصباح وقراءة الصحف 'والحش' واجترار 'علك بوطقة'!.
لم اصدق ما سمعت وذهبت الى مكتب الاخ الصقعبي، احد مدراء تلك الادارة، وشكوت له الحال، فتفهم وضعي وعرض ان يساعدني في انهاء معاملتي وطلب مني الاتصال به في وقت آخر.
استغرق حصولي على شهادة مكونة من 35 كلمة، ما يقارب 35 ساعة، وهي عملية تافهة من الممكن ان يقوم بها اي فرد في تلك الادارة المتهالكة في ذلك المبنى القبيح المتقادم، والذي انا على استعداد لاستئجاره من الوزارة واستعماله كمدرسة بثلاثة اضعاف ما هو مطلوب دفعه لاستئجار اي مبنى مناسب آخر اكثر لياقة ونظافة منه!.
بعكس النفسية التي خرجت بها من البيت في ذلك اليوم، فقد عدت الىه في نهاية اليوم مهموما، مكسور الخاطر، متعبا، منهكا، وكلي حيرة في سبب كل هذا التردي والتخلف الاداري الذي نرزح تحته وفوقه وفيه، واكتشفت اننا لسنا فقط بحاجة لوزراء 'ملو هدومهم' ولكننا بحاجة لجبابرة بامكانهم تخليصنا ولو من بعض ما تراكم من ترهل وتخلف وتشرذم في الكثير من الوزارات.
لا ادري السبب الذي يمنعنا من تكرار تجربة الاداري الكبير حمد الجوعان، فما قام به ومجموعة من الاخوة المخلصين من تنظيم جيد في التأمينات الاجتماعية لا يزال حالة فريدة، ولا ادري لماذا جف الضرع بسرعة مخيفة؟ واي درك اسفل سنصل له قريبا ان لم تتم ملاحقة الامور بسرعة قياسية؟.
سنقوم اليوم بارسال نسخة من هذا المقال لمكتب سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ونسخة لمكتب نائبيه ورابعة لوزير التربية الجديد، وخامسة لمكتب وكيل التربية، وسادسة لمكتب الوكيل المساعد، وسابعة لمكتب مدير 'عام' ادارة التعليم الخاص، لعل وعسى يتم عمل شيء ما، فهذه واحدة من اسهل الادارات امكانية لتقبل العلاج، واكثرها توفيرا لمصاريف التعليم على موازنة الدولة!.
احمد الصراف