أخاديد العمر العميقة
أعلم انك متعبة وربما خلدت للنوم بعد نهار متعب طويل، واعلم انك صائمة، كما هي عادتك في مثل هذا اليوم من كل شهر، وهو اليوم الذي يصادف تاريخ استشهاد ابنتك الوحيدة على ايدي الجنود العراقيين عندما شاركت في مظاهرة الجابرية الشهيرة، والذي اقسمت بعده ان تمتنعي فيه عن تناول الطعام ورؤية البشر ما دمت على قيد الحياةِ واعلم انك قاسيت الكثير في حياتك لتوفير العيش الكريم لزوجك وبقية اولادك الثلاثةِ واعلم بان عدد الشعيرات البيضاء في رأسك قد تضاعف يوم علمت بنية زوجك وشريك حياتك الاقتران بامرأة اخرى بعد ثلاثين سنة من زواج غير متكافئ وبعد ان ضحيت بالكثير من اجله ومن اجل عائلتك الصغيرة.
واعلم انك تشعرين بالغبن والظلم من طريقة ونظرة الآخرين لك، وعدم اهتمامهم بك كسيدة وامرأة ذات احساس مرهف وشعور رقيق، على الرغم من كل تلك الشقوق والاخاديد التي وجدت طريقها لبشرتك وجعلتك تبدين اكبر من عمرك الحقيقي بكثير.
واعلم ان هذا يؤلمك كثيراِ كما اعلم بانك كنت تتمنين دائما ان تجدي الوقت لكي تعملي في وظيفة ما وترتاحي من ذل السؤالِ وانك كنت، على الرغم من كل مشاغلك العائلية وهمومك الشخصية، من المتابعين للاخبار المحلية والدولية والندوات الثقافية والشعرية ومن المشاركات، ولو عن بعد احيانا، في انشطة الجمعيات الاجتماعية الخيرية والنسائيةِ كما كنت يوما ما، وانت طالبة في المرحلة الثانوية ومن بعدها في الجامعة من المطالبات بحقوق المرأة وضرورة انصافها.
كما اعلم بانك كنت تودين لو تمتلكين الشجاعة لنشر ما سطرته اناملك من شعر سياسي وعاطفي، ولكن لم تفعلي ذلك نزولا عند رغبة انانية لزوج لم يحترم ذاتك او شخصيتك، أو ربما كنت تخافين كلام الناس الذي لا يرحم.
اعلم بكل هذا وذلك وبما هو اكثر منه، ولكن اعذريني يا سيدتي فسأخرجك اليوم من صمتك وسأجعلك تنهين صيامك وسأجبرك على ان تلاقيني في هذا اليوم الذي نذرت نفسك ان لا تقابلي فيه احدا لاخبرك بانني كنت اعرف دائما ان ما كان يؤلمك حقا ليس استشهاد ابنتك، على الرغم من قسوة الحدث، ولا جحود زوجك ولا قلة حيلتك مع ابنائك، فهذه كلها امور من الممكن ان تحدث في اية اسرة!! ولكن ما كان يؤلمك حقا ويجعلك تشعرين بالمهانة كلما نظرت للمرآة أو شاركت بحديث أو في تأدية أي عمل خارج البيت، هو ذلك الشعور البغيض الذي ينتابك ويجعلك تشعرين بوضاعة مكانتك وبأنك مواطنة من درجة أدنى من الرجل، وبأنك مهما كبرت وتعلمت وزادت ثقافتك وخبراتك في الحياة فانك ستكونين دائما في ذلك الدرك الأسفل من المجتمع!! وقد جئت اليوم لأخبرك بان الامر السامي قد صدر بالامس لإعطاء المرأة اخيرا حق المشاركة في الانتخاب كمرشحة وكناخبة!!! سأخبرك بذلك، وشعور قوي ينتابني بأنني سأرى دموعا كثيرة تسيل من عينيك مخترقة طريقها بين الأخاديد التي تركها الزمن والقهر على وجهك الطيب الحنون، والذي ستجعله الابتسامة التي سترتسم عليه، بعد سماع ذلك الخبر العظيم، يبدو أكثر حيوية وإشراقا!.
أحمد الصراف