طواويس موزمبيق الشرقية
تتميز الكثير من الشعوب ، وخاصة المتخلفة منها ، بانتشار نزعة الطاووسية أو النرجسية ( وهذه لا علاقة لها بالسيدة نرجس خانم ) بين أفراده . وكثيرا ما تجد أن كلمات وجمل مثل : أنا أعرف ، أو أنا أعلم منك ، أو أنت ما تعرف ، تستعمل بشكل يومي ومتكرر من قبل الجاهل والمتعلم على السواء . كما يلاحظ أننا عندما نريد أن نمتدح صفة ما في شخص ما فإننا نطلق عليه صفة التواضع ، وما كان لهذا أن يتم لولا ندرة وجود هذه الصفة بيننا !!
وبهذه المناسبة ، ومن أجل إعادة الأمور إلى نصابها ، وتعريف كل طرف بحجمه الحقيقي فإننا نورد القصة " الحلمنتيشية " الجاحظية التالية :
وجد رجل نفسه في طريق طويلة ومقفرة مع حمار وكلب . توطدت بين الثلاثة صداقة غريبة كان ظاهرها اللطف وما فرضته ظروف الطريق من وعثاء السفر وكآبة المنظر وكان باطنها حاجة كل طرف للآخر للبقاء حيا حيث أصبح كل طرف يعتمد على الآخر بشكل أساسي . فقد كان الحمار والكلب يعتمدان على الإنسان في توفير وتجهيز الغذاء لهم . وكان الكلب والإنسان يعتمدان على قوة الحمار ليركباه كلما تعبت أرجلهم من السير . وكان الإنسان والحمار يعتمدان على قوة حاسة الشم لدى الكلب وحذره الطبيعي لكي يقوم بحراستهم ليلا أثناء نومهم وإبعاد الحيوانات الشرسة المتطفلة عنهم.
بعد فترة طويلة أكتشف الرجل ، قبل رفيقي دربه ، بأنهم على وشك الوصول إلى المدينة التي كانوا يقصدونها ، فأختلي بالحمار جانبا وسأله عن عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها . فقال له الحمار بأنه سيعيش ثلاثين سنة أخرى فسأله الرجل عما إذا كان راضيا عن نوعية معيشته . فقال له الحمار بأنه قد سأم من كل شيء ، فحياته كلها مشقة وعذاب وبؤس وتعب !! فقال له الإنسان بأنه لا يحتاج لأن يعيش كل هذا العمر وأقنعه بأن يتنازل له عن عشرين سنة من عمره ويكتفي بالسنوات العشر الباقية . فقبل الحمار ذلك بعد تردد قصير . اختلى الرجل بالكلب وحاول معه نفس الأمر وأخذ من عمره عشرين سنة أخرى . وحيث أن متوسط عمر الإنسان في السنوات التي وقعت فيها أحداث هذه الملحمة لم يكن يتجاوز الثلاثين عاما فقد تمكن ذلك الرجل من إضافة أربعين عاما على عمره الافتراضي حيث اصبح بإمكانه الآن أن يبلغ السبعين عاما .
ولكن ما لم يكتشفه الرجل إلا متأخرا ، طبقا لتلك الحيلة ، أنه أصبح عليه الآن أن يعيش حياة الكلاب عشرين عاما وحياة الحمير عشرين سنة أخرى ، والبقية من عمره يعيشها كإنسان ، وليس بالضرورة أن يحدث ذلك بنفس هذا الترتيب !!
وبعد كل ذلك هل يتعظ الإنسان ويتعظ بالذات أولئك اللذين يصرون على السير في الأرض وكأنهم طواويس موزمبيق الشرقية !!
أحمد الصراف
21/9/98