بدرية.. والعريفي
كلما التقيت «مثقفة» سعودية أشعر بأن اللهب يخرج من عينيها الممتلئتين حزناً على وضع المرأة في بلادنا. ولكني - مع الأسف - لم ألمح ذلك اللهب في عيني الزميلة بدرية البشر أو أشعر به، فقد خيبت بعض مقالاتها آمالي، وعزز تلك الخيبة لقائي القصير بها. تقول الزميلة بدرية في مقال جميل لها، (الحياة 2013/2/13)، تعليقا على كل ذلك التسامح الذي حظي به الداعية محمد العريفي، على الرغم من عشرات «زلات اللسان» التي تورط فيها، مقارنة بالشدة التي لقيها غيره من خارج «دائرة الدعاة»، والذين لم تقبل اعتذاراتهم على «زلات لسانهم»! تقول بدرية إنها شخصياً ليست ضد العفو «عنه»، وتبرر ذلك بأن «الدين» يطالبنا بذلك، وهذا يعني أنها كانت ستكون ضد العفو لو لم يطالبنا الدين بذلك! علما بأن ما تقوله ليس دقيقا. فهناك نصوص دينية تدعو الى العفو واخرى تدعو الى عكس ذلك، وبالتالي كان يجب أن يكون معيارها في الحكم أكثر شمولية وانسانية، وليس هذا النص أو ما سبقه أو ما تبعه من نصوص!
وتقول في مقال آخر - معلقة على الحكم المخفف الذي أصدره قاض بحق رجل دين أدين بقتل ابنته بطريقة غير انسانية، وفي منتهى الوحشية - إن الحديث الذي اعتمد عليه القاضي في حكمه غير متفق عليه، وكأنها تقول إنه لو كان الحديث متفقا عليه فان حكم القاضي، بكل سيئاته، صحيح! وهنا أيضا ما كان يجب أن يصدر هذا عن سيدة «مثقفة» في مكانتها!
نعود الى مقال الزميلة، الذي طالبت فيه الكويت - وان بطريقة غير مباشرة - بالصفح عن محمد العريفي، لأنه اعتذر عما ارتكبه من زلة لسان بحقها، وان اعتذاره هذا يكفي! ولكنها لم تحدد عن ماذا اعتذر العريفي، هل اعتذر عن كل التخريب العقلي الذي تسبب فيه على مدى أكثر من عقد؟ أم على كل ذلك الكم من المبالغات غير المعقولة التي وردت على لسانه في أكثر من خطبة، التي سبق ان كتبنا عنها كثيرا؟ أم ربما شغفه المميت بالبقاء في دائرة الضوء بأي ثمن؟ ام أسلوبه الممجوج وغير الانساني في السخرية، من خلال خطبه الدينية، من طريقة تحدث البنغال أو الهنود بالعربية، فقط ليضحك مستمعيه عليهم؟ أم وقوفه الى جانب المخربين واتباع فكر «القاعدة» الذين كادوا يخربون بلاده وبلادنا، والذين لا يزال خطرهم ماثلا أمامنا؟ أم عن اساءته الى الكويت وقادتها مرة عندما سقط صدام فشتم الكويت وترحّم على ذلك الدكتاتور الحقير، أم عن تعوده على التعلل بالجهل كلما قبض عليه متلبسا في موقف او قول مخجل؟ أم اعتذاره ربما عن سخيف فتاواه، ومنها تلك التي حرم فيها جلوس الفتاة أمام والدها غير محتشمة، لأنه قد يتحرش بها، أم يعتذر عن قوله إن «القاعدة» تنظيم لا يريق الدماء، ولا يكفر، وان هذه شهادة عدل منه؟
هذه بعض سقطات العريفي الوخيمة التي لم يحاسب عليها، والتي نبهتنا الزميلة بدرية البشر في مقالها الجميل الى البعض منها، وللتمييز الذي مارسته سلطات بلادها (والكويت) في التعامل مع مثل هذا النوع من الاساءة، ففي الوقت الذي غفرت فيه السعودية للعريفي كل زلاته، لأنه اعتذر، الا أنها، والكويت، زجت بغيره من مغردين في السجون على أمور أقل من زلات العريفي بكثير. وبالتالي تطالب بأن يعامل الآخرون بمثل ما عومل به العريفي، وإلغاء أحكام السجن عنهم!
ونحن لا نملك هنا الا الثناء على موقفها، والوقوف معها في هذه المناشدة المحقة.