فخري شهاب مثالا
التقيت بالزميل الكبير فخري شهاب في بيته قبل أكثر من 10 سنوات، وكتبت عنه أكثر من مرة، ولاحظت مؤخرا تغيرا في مواقف الرجل من أحداث وطنه، وأنه أصبح اقل حذرا فيما يتطرق اليه، وأكثر انسجاما مع قضايا الساعة، أقول ذلك لتذكري بأنني في ذلك اللقاء اليتيم طلبت منه، من منطلق ما يمتلك من علم ومعرفة وخبرة مالية وذكريات طريفة، مشاركة الآخرين فيها، وضرورة نشر أفكاره، التي تسبق عصره، لكي يستفاد من تجاربه الثرية في أكثر من مجال. ولا أدري إن كانت اتجاهاته الأخيرة صدى لما كتبت أو أنه اصبح، وهو في التسعينات من عمره الذي نتمنى ان يطول، يعرف أن ليس هناك ما يخسره. كما أن اختياره لـ القبس، التي عرفت بجرأة من يتولى رئاستها، ساهم في استرسال الرجل في آرائه دون «هنات أو عقبات!».
يقول السيد شهاب في نص نشر له أخيرا: حصلت الكويت على استقلالها قبل أكثر من نصف قرن، وكانت وقتها بحاجة إلى بناء قاعدة سكانية تكفيها لسد حاجات اقتصادها، واختارت سياسة تجنيس «اعتباطية وشخصية»، نتج عنها أن أعداد المجنسين وخبراتهم لم تكن لها علاقة بحاجات الدولة الفعلية، كما أن هذه الحاجات بقيت مستمرة طوال السنوات 50 الماضية وتضخمت مع زيادة السكان. وبما أن سياسة التعليم كانت «اعتباطية» هي أيضا فقد أنتج نظام التعليم جيشا من المتعلمين الذين لا حاجة للمجتمع اليهم، فضلا عن المجنسين الذين لم يحتج الاقتصاد الوطني لأغلبيتهم! وفي هذه الفوضى السكانية وُلِدت مشكلة «البدون»، وتآزرت فوضى البيروقراطية التي خلقتها الدولة الفتية، و«قصر نظر بعض القيادات الوطنية»، وفوضى الغزو العراقي في تفاقم المشكلة، ووجدت الدولة نفسها تواجه كتلة بشرية ضخمة لا تختلف مبدئياً عن التركيب السكاني المحلي، فيها نسبة مما تحتاجه لسد متطلبات الاقتصاد وأخرى أكبر من ذلك من غير المدربين لا تختلف عن الكتلة السكانية الأصلية كثيرا، الا أنها عاجزة عن إثبات هويتها بما يكفي المتطلبات البيروقراطية، فتقرر تأجيل الوصول الى حل ايجابي نهائي. ثم مرت فترة منعت الدولة فيها استخدام «البدون» ريثما يتم البت في مشكلتهم، واستمر التردد وما زال. وتعاقبت على الحكم وزارة إثر أخرى، فأزمنت المشكلة، وارتفعت أصوات التذمر، واضيفت الى ذلك أصوات المؤسسات الدولية، فقررت الدولة معالجة المشكلة وجاهاً - وتمخض الجبل، فأجهض، وبدأ التجنيس قطرة فقطرة يتعثر، مغفلا حاجات الكويت نفسها. وما زالت المشكلة موضع أخذ ورد ونقاش بين السياسيين، وما فتئت الكويت بعد أكثر من نصف قرن مضى على استقلالها تفتقر إلى العمالة المدربة، وما فتئ «البدون» يأملون خيرا في بيداء الأحلام.
وفي مقال آخر ذكر: .. إن المعلق الاجتماعي يرى ويعي الكثير مما يدور حوله من أحداث، ولكنه لا يستطيع أن يشكو من قلة ما يستوجب الشكوى منه. الا أنني أشكو من مشكلة فريدة، وهي كثرة المشاكل المحيطة بي وصعوبة انتقاء بعضها، وتفضيله على أخرى! وأنا أشبّه نفسي بالغريق في بحر ثائر: لا أدري الى أين أوجه جهدي للوصول الى شاطئ السلامة! وهذا معناه أني لا أُعدم وجود مشكلة أو محنة تستوجب التعليق عليها يوما ما. وكأنني كواقف في مركز دائرة من المحن كلها تستدعي التعليق عليها، وكلها من الأهمية مما يستدعي التعليق عليها فورا وفي آن واحد! فكيف وماذا أستبعد، وكيف وماذا أؤجل، وكيف وماذا أختار؟
ونحن نقول له، إن سمح لنا بذلك، أن يكتب ويكتب وألا يحرمنا من زاد معرفته وغزير علمه، فأمثاله أصبحوا، وهو الذي قضى جل عمره بين العملات، عملة نادرة. وأن يتخلى عن مقولة: لقد أسمعت لو ناديت حيا! فنحن وغيرنا الكثير أحياء ونسمع جيدا، و«كثر الدق سيفك اللحام يوما»!!