أخلاق «الداخلية»
هناك بند في قانون الجنسية يسمح بمنحها لغير المواطنين لجليل ما قدموه من أعمال! وبالرغم من أن قلة فقط حصلت على الجنسية الكويتية عن جدارة، فإن المحسوبية والواسطة كان لهما الدور الأكبر في حصول الكثيرين عليها دون وجه حق! كما أن عددا ممن خدموا الكويت بصدق، عندما كانت ضعيفة الحال والمال، توفوا، بعد ان اصبحت الكويت ذات جمال وحلال، ونسيتهم دون أن يحصلوا على جنسيتها أو يحظى أبناؤهم بـ«شرف الإقامة الدائمة فيها»، وهذا هو موضوع مقالنا هذا.
فبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير البترول، وتسارع ثراء الدولة وزيادة عدد من قدم للعمل بها، فإن لا أحد منهم تقريبا حصل على حق الإقامة الدائمة، حتى لو كانوا من كبار المستثمرين الذين لم تشب سيرتهم يوما شائبة، ولا حتى مخالفة مرور أو من التربويين الذين افنوا أعمارهم في تدريسنا، ومن بعدنا ابناؤنا، أو الذين عملوا بإخلاص في إدارة مرافقنا الحيوية، التي عجزنا عن ادارتها! وكان الممكن، لو كانت لدينا وزارة داخلية نصف عصرية أو حتى ربع ظهرية، أن يتم منح هؤلاء الإقامة الدائمة دون ان يطلبوها، ولكن في ظل غياب أو انعدام سجلات إقامة عصرية وقاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها لمعرفة اسماء وسير وسجل «خدمات»، فإن الطلب يصبح صعب التحقيق، ولكن هذا لا يعني اليأس، فأنا أعرف عددا لا بأس به ممن قضى الواحد منهم اكثر من ثلثي عمره، حتى الآن في الكويت، وآخرين ولدوا فيها قبل أكثر من نصف قرن، وبعضهم جاوز الستين عاما في البلاد دون انقطاع، وهؤلاء تعرفهم من لهجاتهم وعاداتهم التي أصبحت مقاربة لعاداتنا، وتتلمس مشاعرهم ومحبتهم لتراب هذا الوطن من أحاديثهم، وعميق حزنهم ان اصابته مصيبة، ومع هذا «يتمرمطوا» في كل مرة يجددون فيها إقامة أو إجازة قيادة، أو عند إجراء أي عملية نقل معلومات على الجواز أو تعديل اسم كفيل أو عنوان سكن. كما زاد الطين بلة قيام جهات كثيرة بالتضييق على كبار حملة الشهادات العلمية والشك فيها، بالرغم من مرور عقود وهم يعملون على أساسها كأطباء ومهندسين وغيرهم، بالطلب من هؤلاء تصديقها من الجامعات الكندية أو الأميركية أو الأوروبية المرموقة التي أصدرتها، علما بأن بعض هذه الجامعات لا تعمل بنظام تصديق الشهادات أصلا. إن هؤلاء المقيمين بين ظهرانينا، من مواطنين عرب وغيرهم، لم يأتوا للعمل غصبا عنا، بل بملء إرادتنا، ولحاجتنا الماسة غالبا لخبراتهم وجهودهم التي فشل أبناؤنا في سدها. وبالتالي يتطلب الأمر العناية بهم، ليس فقط لأنهم بشر اسوياء يستحقون كل خير، ما لم يثبت العكس، بل وايضا لكي يعطونا أفضل ما عندهم، متى ما شعروا بالاستقرار والأمان. ولو كنت وزيرا للداخلية، وهذا حتما ما لا أتمناه، لقمت بتأسيس إدارة خاصة لإعطاء من قضى في الكويت أربعين عاما مثلا أو اكثر، عناية خاصة تليق به، إن كانت سيرته خالية من اي سوابق أو مخالفات جسيمة. وبمثل هذه الأعمال يمكن أن نجاري الدول المحترمة في إنسانية أنظمتنا.
* * *
• ملاحظة: بصرف النظر عن اي اعتبارات، متى يعود الزميل فؤاد الهاشم للكتابة؟