الجمل الثامن عشر وقصة الميراث
ترك رجل كهل ميراثاً مكوناً من 17 جملاً، وطلب في وصيته توزيع الجمال على أبنائه الثلاثة حسب نسب محددة، فالأكبر له نصف التركة. والأوسط له الثلث. أما الأخير، فيأخذ التسع، أي حصة من تسع حصص! وبما أنه يصعب قسمة 17 جملاً إلى أي من النسب التي ذكرت، فقد دبّ الخلاف بينهم، وقرروا الذهاب إلى حكيم ليفصل بينهم، فقام هذا بإهداء الاخوة الثلاثة جملاً من عنده، فأصبح عدد الجمال 18، وقام بقسمة العدد على 2، فحصل الابن الأكبر على 9 جمال، وقسم العدد على 3، فحصل الثاني صاحب الثلث على 6 جمال، وحصل الأخير صاحب نسبة التسع على جملين! وبجمع عدد الجمال التي حصل عليها كل ابن (9+6+2) تبين أن المجموع 17 جملاً، وبقي جمل واحد استرده الرجل الحكيم، لأنه كان أصلاً جمله! وهكذا حل معضلة الاخوة الثلاثة بحكمته دون أن يخسر أي طرف شيئاً!
وبالرغم من المغزى العميق لهذه القصة، التي تتعلق بإيجاد الحلول لأكثر المشاكل تعقيداً، والإيمان بوجود حل، بالتفكير خارج الصندوق، كاقتراح بيع الجمال مثلاً وقسمة حصيلة البيع بينهم حسب الحصص المحددة، وهذا ما لم تمنع الوصية القيام به، إلا أن البعض فضّل نسبتها لأحد «الأئمة»، وكيف أن «حكمته» وعبقريته هما اللتان أنقذتا الموقف، متجاهلين أن الدين الإسلامي يسير على قاعدة «لا وصية لوارث»! أي أن المسلم، ربما بخلاف بقية أهل الأرض، لا يحق له ترك وصية يقسم فيها تركته بعد موته، بنسب يختارها على هواه، فهنا لا خيار له، فالقسمة شرعية وتخضع لقواعد محددة، وبالتالي يمكن الافتراض أن قصة الـ17 جملاً ليست من التراث الإسلامي، وقد تكون قصة هندية.
ومن جانب آخر، نجد أننا لو قمنا بمراجعة نظام الوراثة في الإسلام، فإننا نواجه معضلات كثيرة في قضايا توزيع التركات، وكانت هذه سبباً في اختلاف كبار المفسرين عليها، ونتج عن خلافاتهم تفرقهم إلى شيع ومذاهب شتى. فالابنة، التي لا اخوة لها مثلاً، تحجب عند الشيعة الميراث عن غيرها ويكون جميعه لها، بعد موت والدها، بينما في المذاهب السنية، فإن الابنة لا تحجب عن غيرها، وبالتالي يشاركها آخرون في التركة، كعمومتها. وهذا مثال من عشرات الأمثلة الأخرى. ولو قمنا بمراجعة ما كتب عن قضايا الميراث وطرق توزيع التركات، وما دون في عالم الإنترنت عن هذا الموضوع، لهالنا كل هذا التعقيد والاختلاف على أمور كان من المفترض أن تكون بديهية، ولا تكون سبباً لاختلاف المسلمين عليها، ولا أدري لماذا لا نكون كغيرنا، ولكن هل يعتقد غالبيتنا بأننا.. «كبقية» البشر؟