«فهموني يا جماعة»
يقول القارئ «م. العجيري» (وبتصرف منا) ان ما يحدث في سوريا أمر مثير للعجب وغير مسبوق في التاريخ الحديث، فقد تمكنت جهات، او التقت جماعات متخلفة متطرفة، سواء بأجندات خاصة أو تلك التي تعمل لمصلحة دول معادية للنظام السوري او حتى تلك التي لها، وفق قناعاته، أجندات لا علاقة لها بالثورة السورية، بل يصب وجودها في مصلحة النظام، التقت جميعها لتشريد وقتل الشعب السوري المنكوب، أو لخلط الأوراق، وجعل مسألة فهم ما يجري من المستحيلات، مع «مكائن» إعلامية موجهة من جهات مختلفة، تبدو أحيانا متناقضة وفاقدة للمصداقية، بما فيها وسائل الاعلام الغربية، وأحيانا أخرى صادقة بصورة مثيرة للشك. كما ساعد تشرذم وتشتت ما يسمى بالمعارضة في زيادة الطين بلة، وجعل تناقض المواقف الدولية، وانتقالها من وضع لآخر مناقضا له تماما وأمرا عاديا جدا، وجعل فهم ما يجري أكثر صعوبة حتى على أكثر العالمين بأسرار السياسات ومخترقي جدران الكواليس! ويستطرد صديقنا قائلا: ان موقف وزير الخارجية الأميركي، جوني كيري الأخير الذي «أشاد» فيه بتعاون النظام السوري في تدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية دليل آخر على عدم اهتمام أي طرف بدماء الشعب السوري، طالما أن كل ما يجري في سوريا لن يؤثر بنهاية الأمر في سلام وأمن جارتها إسرائيل!
ويعتقد العجيري أن ضمان أمن إسرائيل من الجانب السوري هو الورقة الرابحة التي لعب بها «بشار الأسد» ليدفع الأميركيين لأن يغضوا النظر عن أفعاله، وربما حتى الموافقة على إمكانية تمديد فترة بقائه في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية السورية القادمة في 2014، على الأقل، والتي لا يعرف أحد كيف يمكن أن تقام في ظل كل هذه الفوضى، دع عنك نزاهتها!
المزعج في الأمر ما اعتقده أو شعر به البعض أو استنتجه من كتاباتنا، من أن مجرد انتقادنا لتصرفات بعض الفصائل المتطرفة المشاركة في الحرب الأهلية في سوريا يعني بصورة تلقائية تأييدنا للنظام، وهذا ما لم يرد قط على بالنا، ولم نفكر فيه او نسعى له. فقد كنا من أوائل من كتبوا منتقدين النظام لما يجري في سوريا، فالمسؤولية الأولى والأخيرة لما جرى ويجري في مصر وفي تونس وليبيا، لا تقع المسؤولية فيه على الاستعمار العالمي وقوى التخلف والرجعية ولا على الصهيونية العالمية، ولا القاعدة وأذنابها، بل على النظام الحاكم فيها الذي تشبث بالسلطة لعقود عدة دون محاولة، أو حتى مجرد التفكير في تمهيد الطريق لتسليم السلطة، عبر انتخابات نزيهة وحرة، لجهة اخرى! هذا ما سبق وان كتبناه أكثر من مرة ولا نزال نصر عليه.
يعود صديقنا ليقول انها ربما المرة الأولى في التاريخ التي تتعاون فيه مجموعة غريبة من جماعات ودول متناقضة المصالح والاهداف والتطلعات والسياسات في إحداث كل هذا الدمار والقتل والتشريد لشعب ما دون ذنب جناه، فما الذي جمع روسيا وإيران والصين وحزب الله والنظام السوري في جهة ضد أميركا(!!) والدول الغربية وقطر والسعودية والقاعدة وتركيا وغيرها في الجانب الآخر، هذا غير مرتزقة الطرفين؟
ما يحدث في سوريا امر محير حقا، ولا أعتقد أن أحدا، على الأقل من بين عشرات المحللين والمعلقين الذين استمعت أو قرأت لهم، استطاع أن يقنعني بأنه يعرف ما يجري هناك!