ذكريات الجابرية ورماد الروضة
ليس من السهل على أي كويتي عاش مرحلة «غزو صدام»(*) للكويت أن ينسى مجريات 220 يوماً من الرعب والقتل والتشريد. فقد كانت تجربة رهيبة، فخلال ساعات أصبح ما «يساويه» المواطن أو المقيم ماديا لا يزيد على ما بجيبه من مال! فلا عقارات ولا أسهم ولا أرصدة مصرفية، فمن امتلك ألف دينار نقدا، كان أكثر غنى من صاحب الأسهم والعمارات. كما أصبحت حياة الإنسان لا تساوي «قندرة» عند الغازي، بعد أن محيت مقومات الدولة من الوجود، وألغي كيانها، فلا حكومة ولا جيش، ولا وجود فعال لأي مؤسسة، غير تلك التي اختار بعض المواطنين، وبمساعدة فعالة من مقيمين أوفياء، الاستمرار في إدارتها، كالكهرباء والماء! وقد استعدتُ ذكريات تلك الأيام، التي سأكتب عنها الكثير، وأنا أقرأ مذكرات الأخت إقبال العثيمين، في كتابها «رماد الروضة»، الذي أتمنى عليها أن تعيد كتابته وتضيف إليه الأكثر، ومع هذا فهو يستحق القراءة لمن عاش أو لم يعش أحداث تلك الفترة، التي كنت وأسرتي في الكويت عندما وقعت، وكان قراري البقاء وعدم المغادرة. وكنا قد انتقلنا قبلها بيوم للعيش في بيتنا الجديد، الذي لم يكن يحتوي إلا على الضروري من الأثاث، فغالبيته كانت لا تزال بحاوياتها. وأخبرني جاري بعدها بسنوات أنه أعجب بمثابرتي أثناء الاحتلال عندما رآني أقوم بمساعدة سائقي، بإجراء تشطيبات خارجية على البيت، وبناء ممر لدخول السيارات للداخل. ولكني اضطررت، وبعد صمود لم يطل كثيرا، للخروج من الكويت لسببين، أولهما ما سمعته من الـ«بي بي سي» عن قيام صدام بإرسال عمر غني، وهو سفير سابق في الكويت، لمصادرة كل وثائق وزارة الخارجية الكويتية، وغيرها! وحيث إنني سبق أن اختلفت مع هذا الأفاق في أكثر من حفل دبلوماسي، عن مسؤولية صدام الشخصية عن بدء الحرب العراقية - الإيرانية، وما وردني من تحذيرات من أكثر من صديق سفير من قدرة ذلك الشخص على الإضرار بي وقتها، إلا أنني لم أعبأ بذلك، ولكن عودته للكويت جعلتني أشعر بالخوف من أن يقوم بمصادرة حياتي، مع وثائق الحكومة الكويتية. كما كان السبب الثاني للمغادرة ما قام به جنود الاحتلال من مصادرة للأدوية المهمة من كل المستشفيات، التي كان ابننا طارق، بأمسّ الحاجة إلى البعض منها! وهناك قصص أخرى عن الغزو والاحتلال سنتطرق إليها بين الفترة والأخرى قبل أن تضمها دفتا كتاب قيد الإنجاز!
(*) الوصف الصحيح لغزو القوات العراقية للكويت في 1990/8/2، هو الغزو الصدامي وليس العراقي، كما جرت العادة، لأن من أمر بالغزو وقام به هو شخص واحد، وليس شعبا! ولهذا يوصف ما قامت به أميركا في العراق بالغزو الأميركي، لأن المؤسسة الأميركية المنتخبة والممثلة لشعب الولايات المتحدة هي التي قامت به، وليس فر