نحن والقرود الخمسة
سبق أن تطرقت لتجربة عالم من خمسة قرود، وأعود للكتابة عنها مرة أخرى، لعلاقتها بتفسير الكثير من الأحداث التي نعيشها، والسبب وراء كل هذا الجنون حولنا!
وضع عالم خمسة قرود في قفص، وعلّق موزاً من سقفه، ووضع سلّماً في وسط القفص، وما ان قام أكبرهم بمحاولة تسلّق السلّم للوصول إلى الموز، حتى قام برش بقية القردة بماء بارد جداً! بعد فترة حاول قرد آخر الوصول إلى الموز فتكرر رش البقية بالماء البارد، وعندما حاول ثالث القيام بالأمر ذاته رش العالم البقية بالماء البارد، وهنا تولّد لديهم شعور بأن أي محاولة للوصول إلى الموز تعني عقاب الآخرين، وما ان حاول القرد الرابع تسلّق السلّم للوصول إلى الموز حتى منعه الآخرون وضربوه! وبقي الموز في مكانه! قام العالم بعدها باستبدال احد القردة بآخر جديد، فقام هذا من فوره بمحاولة تسلّق السلّم للوصول إلى الموز، فمنعته القردة من ذلك وأوسعته ضربا! قبل المسكين بمصيره دون أن يعرف السبب، بعدها قام العالم بإخراج قرد قديم وأدخل آخر جديدا مكانه، فقام هذا بمحاولة تسلّق السلّم، وهنا قام القرد الأول الجديد، بمشاركة الثلاثة الآخرين في إنزال القرد الجديد الثاني ومنعه من الوصول إلى الموز، علما بأنه لم يكن حاضرا عملية رش البقية بالماء البارد، ولكنه افترض أن صعود السلّم أمر مضرّ، فشارك في الضرب! ثم قام العالم باستبدال قرد ثالث قديم بثالث جديد، وحاول هذا بدوره الوصول إلى الموز، فقام البقية، وبينهم الاثنان الجديدان والجاهلان بقصة الرش، بمهمة ضرب القرد الثالث الجديد ومنعه من الوصول إلى الموز، وذات الشيء حدث مع القرد الخامس الجديد الذي حل محل الخامس الاخير، بحيث اصبحت القردة جميعها جاهلة بتجربة الرش، ولكنها أصبحت، وكأنها توارثت عادات ما قبلها، مقتنعة بترك الموز في مكانه، ولم تشغل بالها بمعرفة السبب، وأصبحت تتصرف كما تصرف من كان قبلها، وفعلت ما فعله الأولون! وهكذا تتم عملية خلق أمة تقوم بأداء أمور دون أن تعرف السبب وراءها!
ولا ننسى هنا تجربة حقيقية أخرى عن سيدة أميركية وضعت قطعة لحم (روستو) في الفرن بعد أن قصّت أطرافها، فسألها زوجها عن السبب، فقالت إنها تقوم بما كانت تقوم به أمها، ولعدم اقتناع الزوج بما قالت قام بالاتصال بأمها لسؤالها عن سبب قص أطراف الروستو فقالت إن أمها، أي جدة زوجته، كانت تفعل ذلك! فاتصل بالجدة لسؤالها، فقالت إنها كانت تقوم بذلك لأن فرنها كان صغيرا، ولم يكن يسع قطعة الروستو دون قص أطرافها!
وهكذا نرث جميعا عادات وتقاليد ونتبعها دون سؤال عن الحكمة من ورائها! وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير ما يجري في سوريا والعراق وغيرهما، فغالبية الأطراف تقتل بعضها بعضا لأسباب لم يكونوا أصلا طرفا فيها، ولا يعلمون خلفياتها.