المتنبي والحب والفخر
تبين من المقالين اللذين كتبتهما عن أشعار للمتنبي، وموسيقى نواف الغريبة، مدى عطش الناس للفن الجميل، فالعقول كالقلوب بحاجة الى أن تروى باستمرار.
يقول المتنبي:
فافترقنا حولاً فلما التقينا
كان تسليمه عليّ وداعا
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
ولكن من يبصر جفونك يعشق
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما عجبي موت المحبين في الهوى
ولكن بقاء العاشقين عجيب
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
عيناكِ نازلتا القلوب فكلها
إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتلِ
وإني لأهوى النوم في غير حينـه
لعل لـقـاء فـي الـمـنـام يـكون
لولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشـق
ولـكن عـزيـز العاشقين ذلـيل
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الــحـب إلا للحبيب الأول
إذا مـا رأت عـيـني جـمالـك مـقـبلاً
وحـقـك يـا روحي سـكرت بـلا شرب
أحـبك حُـبـين حـب الهوى
وحــبــاً لأنــك أهـل لذاكا
قفي ودعيـنا قبل وشك التفـرق
فمـا أنا مـن يـحـيا إلى حـيـن نـلـتقي
ضممـتـك حتى قلت نـاري قد انطفت
فلـم تـطـفَ نـيـراني وزيـد وقودها
فقلت: كما شاءت وشاء لها الهوى
قـتـيلـك قـالـت: أيــهـم، فـهم كـثر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهــوى
وزرتـك حـتى قـيـل لـيـس لـه صـبـرا
و إن حكمت جـارت علي بحكمهــا
ولـكـن ذلـك الـجور أشـهى من العـدل
قـتل الـورد نـفسه حـسداً منك
وألـقى دمـاه في وجـنــتــيــك
اعـتـيادي على غـيـابـك صـعــب
واعـتـيـادي على حـضورك أصعـب
قد تـسربـت في مـسامـات جـلــدي
مـثـلـمـا قـطرة الـنـدى تـتـسـرب
ويقول المتنبي في الكرامة:
غثاثة عيشي ان تغث كرامتي
وليس بغث ان تغث المآكل
وفي الفخر يقول:
وانا لمن قوم كأن نفوسهم
بها انفا ان تسكن اللحم والعظم
ثم ينشد مادحا نفسه:
أيُّ مكان أرتقي
اي عظيم أتقي
فكل ما خلق الـ
له وما لم يخلقِ
محتقر في همتي
كشعرة في مفرقي.