الجهل والخراب والحل
استدعى وزير الأشغال مجموعة من أصحاب الشركات المعنية بأعمال الطرق، ووجه اللوم الشديد لهم لسوء أحوال الطرق السريعة، وما تعرّضت له طبقتها العليا من تآكل، وتزايد نسبة تطاير الحجارة منها، مما أدى الى إتلاف زجاج ومقدمات آلاف السيارات. ويقال إنه هددهم بالإحالة للنيابة، ووضع أسمائهم على قائمة الوزارة السوداء! وهذا، إن صح، كلام لا معنى له، وتهديد غريب يدل إما على عدم معرفة الوزير بطريقة ترسية المناقصات وتنفيذها والإشراف عليها، أو أنه يعلم كل ذلك، ولكن يود أن يبين لمن هو أعلى منه حزمه وصرامته. أو ربما لذر الرماد في العيون، وإسكات الاحتجاجات!
مشكلة الأشغال، أو سوء حال الطرق، أو سوء مصنعية تنفيذ أي مشروع حكومي، لا تتعلق بشركات المقاولات، بقدر ما تتعلق بأمور أخرى، أكثر أهمية كطريقة ترسية المناقصات، وطريقة الرقابة على تنفيذها، وما يتبع ذلك من تسلّم المشروع من الشركة المنفذة، وما يتعلق بفترة الصيانة، وما يحدث بعد انتهائها! فخلال كل هذه المراحل تقع المسؤولية كاملة على الأجهزة الحكومية. فهناك جهات تقوم بترسية المناقصة على أقل الأسعار، وتبدأ المشكلة عندما تكون الكلفة المقدرة للمشروع أعلى بكثير من سعر المناقصة. كما تقع المسؤولية على الجهة التي اعتمدت المشروع أو المواد، من دون أن تتأكد من أن ما اعتمدته قد تم تطبيقه، أو تسليمه بالفعل، كما تقع المسؤولية على الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع، مكتب استشاري أو موظف حكومي، كما تقع أضخم المسؤوليات على الجهات التي تتسلم المشروع، بعد الانتهاء من تنفيذه، التي عادة ما تغض النظر عن كل عيوبه، مقابل تسلّم «المقسوم»! من البعض وهناك مسؤولية فترة الصيانة، وتخلي الجهة الحكومية عن «محجوز الضمان»، بسهولة! ومن بعد كل هؤلاء تأتي مسؤولية المقاول، أو المورّد، الذي يسعى لتحقيق أقصى الأرباح لنفسه. وبالتالي فإن الأمر كله يتعلق بضعف قدرات، أو قلة خبرة، أو خراب ذمم الكثير من المسؤولين عن مراحل تنفيذ أي مناقصة. وقد حذرت شخصيا أكثر من مسؤول من خطورة ترسية عدة مناقصات محددة على شركات معينة، بسبب الفارق الكبير بين كلفتها الحقيقية وما التزم المقاول به، ولكن لم يكترث أحد لتحذيراتي، ولما ذكرته وبيّنته من حقائق، إما بسبب عجزهم عن فعل شيء، أو لكونهم جزءاً من الخراب! كما عملت في السبعينات، وحتى ما قبل الغزو الصدامي الحقير، في المقاولات، وكانت لي تجارب مريرة مع جهاز إشراف وزارة الأشغال، الذي كان بعض أفراده يدفعونني دفعا لأن أخالف، وقد كرهت منذ يومها ذلك النشاط وتركته غير آسف عليه، بالرغم من نجاحي فيه!
إن مشكلة سوء مصنعية الطرق، وبقية الأعمال الحكومية، ناتجة عن أسلوب ترسية المناقصات، وخراب ذمم أغلب الجهات الرقابية، وانتشار الفساد الإداري في الجهاز الحكومي، وغياب الحساب والعقاب! وحيث إن المشاكل معروفة، فإن حلولها معروفة أيضا، والعلاج موجود، ولكن حتما «لا أحد» يود اتخاذ قرار الإصلاح، فـ«المصلحة العليا» تتطلب بقاء الحال على ما هي عليه!