القبانجي والمهدي
يعتبر المفكر الإسلامي الكبير "أحمد القبانجي" أحد اعمدة التنوير في عصرنا. وبالرغم من التهديد بالقتل الذي طاله وأسرته، إلا أنه أصر على الاستمرار وإيصال صوته وآراءه المستنيرة لمجاميع متزايدة. وبالرغم من أن السيد أحمد يعتبر سليل اسرة دينية تولت، ولا تزال، مقاليد أمور دينية حيوية في مسقط رأسه، النجف، ولا يزال متمسكا بلقبه الديني وعمامته السوداء ورداء الديني، إلا أنه نجح باقتدار في التغريد او الإبداع، خارج سرب التسميات والأردية، والتطرق لأعقد المسائل، وشرحها بابسط الوسائل، ونشرها على أوسع نطاق، ومن تلك المسائل قضية المهدي المنتظر، فقد كتب مقالا في الحوار المتمدن، 20 فبراير الماضي، تطرق فيه لحديث متفق عليه والمتعلق بظهور المهدي الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. ويقول بأن رمزية المهدي أو المخلص موجودة في الديانات المسماة بالسماوية التي ظهرت قبل الإسلام، ولا يزال أتباعها بانتظار مخلصهم. وبأن التاريخ اخبرنا بأن من كان أفضل من المهدي المنتظر بكثير لم يتمكن في حينه، لحكمة ما، من ازالة الظلم والجور وتحقيق العدل داخل الدولة الاسلامية فضلا عن خارجها. فمع افتراض معصومية الحاكم إلا أنه بحاجة لمعاونين وولاة وقضاة وقادة جيش وشرطة وغيرهم، وهؤلاء ليسوا بمعصومين ويمكن صدور الظلم والسرقة والرشوة منهم، كما حدث في زمن الرسالة المحمدية، في مدينة صغيرة، فكيف يمكن أن يحدث العدل في ظل حكومة تسيطر على العالم أجمع؟ ويقول السيد القبانجي أن الشيعة يدافعوا عن وجود المهدي اعتمادا على روايات، ولكن لدى التحقيق فيها يتبين ان جميعها ضعيفة. وحسب شهادة المحقق المعروف "اصف المحسني" في كتابه "شريعة بحار الانوار"، فإن جميع الروايات الواردة عند الشيعة في هذا الخصوص، وعددها 49 رواية 48 منها ضعيفة وموضوعة، ونصفها اساطير لا يصدقها عقل، وواحدة فقط صحيحة تصرح بوجود ولد للامام العسكري، والد المهدي، ولكن لا يعلم أحد إن بقي ذلك الولد حيا بعد ذلك، ولا كيفية إثبات بنوته؟ ويقول إن جهات ثلاث مستفيدة من ابقاء قصة المهدي المنتظر صالحة وحية طوال قرون، أولها حكام بني امية وبني العباس وسائر الحكام الآخرين الذين استخدموا رواية المهدي في تخدير الناس بهذه العقيدة ليأمنوا ثورتهم ويوحوا لهم بان الخلاص سيأتي عن طريق المنقذ، وأن عليهم ألا يعرضوا انفسهم للتهلكة، ويقبلوا بحكمهم. والجهة الثانية هي الطبقة المسحوقة التي تعرضت للظلم والاضطهاد من قبل حكام الجور فكانت هذه العقيدة تدغدغ عواطفهم وتمنيهم باحلام وردية بقرب يوم الخلاص والانتقام من الظالمين وتبرر لهم حالة الكسل والجبن التي يعيشونها.
أما الجهة الثالثة فهي مراجع الدين الذين نصبوا انفسهم نوابا للامام المهدي، فهم بهذه الحجة يأخذون الخمس وسهم الامام من الناس ويحققوا لأنفسهم الهيمنة والقداسة، ولا يحق لاحد انتقادهم والرد عليهم، ومن يفعل فهو كمن يرد على الامام والراد على الامام كالراد على الله!
هذه وجهة نظر عالم دين معروف ننقلها، كما هي، ونتمنى أن نسمع ردا عليها.
أحمد الصراف