بودرة الأذن
كنت أعتقد، قبل رحلتي الأخيرة إلى اليابان، أن البشر جميعاً يتساوون في شكل ونوع ما تفرزه أجسامهم من مواد، ومنها إفرازات الأذن. ولكن حقيقة طريفة دفعتني للبحث أكثر في الموضوع. ففي الفندق الذي أقمنا فيه في أوساكا، اليابان، وجدت، بين المواد التي عادة ما توفرها الفنادق لنزلائها، أن الأعواد البلاستيكية التي تستخدم لتنظيف الأذنين مختلفة عما اعتدنا عليه، ففي أحد طرفيها كرة قطن صغيرة، وفي الطرف الآخر ملعقة بلاستيكية صغيرة! واعتقدت أنها تستعمل لـ«هرش» الآذان، وعندما استخدمتها شعرت بالألم، وبالسؤال قيل لي إنها تستخدم لتنظيف الأذنين، وبالسؤال أكثر قيل لي إن اليابانيين يختلفون عن بقية شعوب الأرض في أن آذانهم لا تفرز المادة الشمعية الصفراء اللزجة التي تفرزها آذاننا، بل تتكون بداخلها مواد تشبه الكلس في صلابتها، وتتطلب إزالتها كشطها بملعقة صلبة صغيرة! استنكرت الجواب، وقمت بالبحث في الإنترنت، فتبين لي صحة ما ذُكر لي، وتبين لي أيضا أن الأمر يشمل شعوباً كثيرة أخرى، ولا يقتصر على اليابانيين. وقد شكلت تلك الظاهرة لغزا لفترة طويلة، إلى أن تمكن العلماء من تحديد الجين الذي يتسبب في اختلاف صلابة شمع الأذن الذي تفرزه آذان البعض عن غيرهم. وقد بينت الآثار في أوروبا أن الرومان سبق أن استخدموا أدوات حادة في تنظيف آذانهم.
المهم في موضوعنا هنا أن الغالبية تقوم، يوميا تقريبا، بإزالة المادة الشمعية من آذانها. ويفترض طبياً خطأ هذا التصرف، فالآذان تقوم بالعناية بنفسها، وتطرد الشمع الزائد للخارج، ليتبخر من تلقاء نفسه، واستخدام الرأس القطني، أو الملعقة الحادة في «التنظيف» تصرّف لا داعي له غالبا، فهو يُفقد الأذن الحماية اللازمة. فما تفرزه الأذن يبقي مجرى السمع محصناً، ويمنع دخول الشوائب، وبالتالي علينا التوقف عن عادة تنظيف الأذنين بصورة مستمرة، وحتى لو شعرنا بآلام بسيطة فيها، فإن من الخطأ الإسراف في تنظيفها، أو وضع سوائل كالشمع الحار أو زيت الزيتون الدافئ فيها، بل أن نبقيها كما هي، مع تنظيف الأذنين، إن لزم الأمر، من الخارج فقط.