أسعد الشعوب
بيَّن استطلاع دولي أن مِن أسعد الشعوب في العالم بضع دول فقيرة. فقد تربّعت كوستاريكا - للمرة الثانية - ضمن قائمة تضمن 151 دولة، في صدارة الشعوب السعيدة، بينما قبعت الدول الخليجية في الذيل، كأقل الشعوب سعادة، وهي قطر والكويت، والبحرين.
اعتمد مؤشر البحث الذي أجرته مؤسسة الاقتصاد الحديث، ومقرها لندن، على رفاه الفرد من حيث التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى، وأسرة مقتصدة وصديقة للبيئة.
وبيّن الاستطلاع أن مبعث سعادة الفرد وتمتعه بحياة مديدة ونمط معيشي مميز وعلاقة صداقة بالبيئة لا يقترنان البتة بموطن إقامته أو بمدى تقدّم او غنى دولته!
والسؤال هو: ما الذي دفع المواطن الكويتي الى أن يصبح الأكثر تعاسة في العالم، وهو الذي يفترض أنه الأقل همّاً والأكثر غنى، بشكل عام من مليارات البشر، وأشياء قليلة تقلقه في حياته، خصوصا أن العلاج والطبابة مؤمَّنان له ولأسرته، والتعليم حتى أعلى المستويات، مضمون له ولأسرته، وضمان الشيخوخة متوافر له ولأسرته؟! وبالتالي فما يشغله ويضجره لا بد أن يكون شيئا آخر غير هذه وتلك!
من المعروف أننا، لكي نستمتع بالحياة، فإننا بحاجة الى أن نشعر بالسعادة، وهذه لا يمكن أن تتحقق بالمال، بل بتوافر الحريات، حرية التصرف والقول والتنقل والعبادة وأماكن ووسائل الترفيه الضرورية. كما أن من الضروري، لكي نشعر بالسعادة، أن نؤمن بأننا متساوون أمام القانون، وأن الحكومة منصفة في احكامها ومواقفها، وتؤمن بالشفافية في عملها، وأن مستويات الفساد والرشوة في حدودها الدنيا! ولكن من المؤكد أن جميع هذه الأمور غير متوافرة في الكويت.
فحرية التصرف، ضمن القانون، وحرية القول وحرية النشر جميعها مقيدة، بطريقة أو بأخرى. كما أن الجميع - حتماً - لا يتساوون أمام القانون! أما الادعاء بأننا أفضل من غيرنا فلا معنى له، فنحن لا نشعر بالسعادة، لان غيرنا لا يشعر بها، بل نكون عادة سعداء لأسباب واضحة وإيجابية. كما أن للجرعة الدينية المبالغ فيها في رأيي، وما يتبعها من نفاق اجتماعي، دورها في زيادة الشعور بالضجر، ومن ثم بالتعاسة.
فالحياة بغير سعادة، مهما طالت لا تعني شيئا. والثروة مهما كبرت من دون ان تصحبها سعادة لا تعني شيئا، ومن ينظر الى كميات القمامة أمام كل بيت يعرف أن سعادة الفرد الكويتي أو المقيم قد اختُزلت في دقائق أو ساعات الأكل، ويبدو أنها المتعة الوحيدة المتاحة، وبوفرة، للغالبية.
كما أن من السهل ملاحظة أن الكويتيين لا يشعرون بأن حياتهم ذات مغزى، فلا دور لهم في أي أمر. ولكي نعرف بدقة سبب شعور المواطن بالتعاسة فإننا فقط نعطيه ملف معاملات ونطلب منه، تحت درجة حرارة تبلغ الخمسين وحركة مرور بائسة، ومواقف سيارات شحيحة، ونفوس مديرين ضيقة، مراجعة وزارات الشؤون والتجارة والداخلية لإنهاء المعاملات فيها، فهنا سيصاب المواطن بالاحباط وسيدفعه الفشل الى الشعور بالتعاسة، وسيشعر بحزن أكثر إن تساءل عن المكان الذي «تذهب» اليه، سنة بعد اخرى، ما تحققه الدولة، مع مطلع كل شمس، كل الملايين المتحققة من بيع البترول، ولماذا فشلت الإدارة الحكومية في أن توفر أو تشتري بها الحد الأدني من الخدمة الجيدة أو الكرامة؟ فشعب «يتبهدل» غالبيته كل يوم في المستشفى أو الوزارة أو المخفر، في سعيه لإنهاء معاملاته بطريقة حضارية وكريمة، لا يمكن أن يشعر بالسعادة!