خليفة القنوع
امتلك خليفة وأدار باقتدار شركة ناجحة مع شريك عربي، وبعد استقرار أعمال الشركة ورسوخ اقدامها، شعر بأن الوقت قد حان ليرتاح على طريقته، وهنا سافر إلى اميركا، واختار ولاية جميلة، اشترى فيها فندقا متوسط الحجم، يقع على منظر خليج خلاب، وشغل لنفسه الطابق الأخير منه، مستفيدا من خدمات الفندق في التنظيف والطعام وكي الملابس وغيرها.
كان خليفة يحن بين الوقت والآخر لوطنه واهله، فيعود لهم لفترة قصيرة، ولكن مع الوقت أصبح اقل شوقا لهم وأكثر تعلقا بأصدقاء طفولته الذين يأنس بهم، والذين لم تدفعه ظروف الغربة لنسيانهم وتعويضهم بأصدقاء أميركيين أو غيرهم، ولهذا كان يقوم بين الفترة والأخرى بدعوة البعض منهم، حيث يقيم، وغالبا ما كان يتكفل بتغطية كامل مصاريف حلهم وترحالهم. وفي أحد ايام الصيف الحارة والمغبرة في الكويت، تلقى جمع من اصدقائه دعوة جماعية للانضمام له في منتجعه، فلبوا الدعوة من دون تردد، وغادروا الكويت في طائرة واحدة، وما ان استقروا في سكنه الوثير حتى بادره أحدهم بالقول: يا خليفة، لقد أطلت المكوث في أميركا كثيرا، الا تنوي العودة لوطنك واهلك؟ فرد قائلا بأنه سعيد حيث هو، بعيدا عن اخبار الوطن و«المغثة»، وهو يشعر أنه أدى واجبه، وليس لأحد فضل عليه، وصحبه وأهله دائمو الزيارة له! فقال هذا: ولكن ماذا عن «حلالك»؟ اي أموالك وشركاتك، فقال ان كل شيء بخير ويعمل جيدا، وهنا بادره صديقه بمفاجأة لم يتوقعها، حيث قال له ان شريكه، الوافد العربي، يسرقه، وأن الكثيرين في الكويت يعلمون بأمره، فحياة البذخ التي يعيشها لا يمكن تفسيرها. وهنا نظر خليفة لصديقه، دون أن تتحرك عضلة في وجهه، وسأله بهدوء: هل أنت متأكد من ذلك؟ فرد صديقه بأنه متأكد وان ابنه، الذي يعمل مفتشا في جهة حكومية، أخبره بذلك! فأعاد السؤال عليه، إن كان على ثقة بأن اتهامه صحيح، فرد هذا بهزات قوية من رأسه، تكهرب الجو وسكت الجميع مبهورين من قيام أحدهم باتهام شريك مضيفهم بالسرقة، وكيف انه غافل بما يجري وراءه، هذا غير ما يعنيه ذلك من عدم اكتراث وقلة حرص على ماله. وهنا رفع خليفة سماعة الهاتف، وهو يقول بصوت حازم: سأريكم ما أنا فاعل به. أدار القرص على رقم شريكه في الكويت، وبعد لحظات جاء صوته على الطرف الآخر مُرحبا، وبعد السؤال وكلمات المجاملة، قال المضيف لشريكه: يا «أبو فلان» حوّل لحسابي في بنك أوف اميركا 250 الف دولار اليوم، شكرا مع السلامة!
وهنا بهت الجميع من الطريقة التي انهى بها خليفة المكالمة دون عتاب أو اتهام، أو حتى تلميح! فنظر لهم قائلا، وهم فاغرو الأفواه، انا هنا اعيش في مكان كالجنة وحولي كل ما احب واشتهي وارغب، والطقس جميل والرفقة رائعة والكدر معدوم، وشريكي يعمل ويعاني ويكد في درجة حرارة تقارب الستين والغبار من حوله والكدر بداخله، فمن الذي يسرق الآخر، هل هو الذي يسرق مالي، على افتراض أن الاتهام صحيح، أم انا الذي أسرق صحته وعافيته ووقته، لكي يمول راحتي ومتعتي؟