البعبع الإيراني ومذكرات العدساني (3/1)
لسبب أو لآخر استوطن البعض الكويت منذ قرون، وكانت لهم ملاذا ومصدر رزق. وعلى الرغم مما يقوله بعض «الأكاديميين»، وهواة كتابة التاريخ، من أن تاريخ الكويت الحديث يعود لأكثر من 300 سنة، فإن من الأدق القول إن وجود الكويت، ككيان حقيقي، لم يبدأ إلا منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً بقليل. والسبب أن العبرة ليست بعدد من سكن أي أرض أو من اتخذها مكاناً لإقامته، بل بمدى أهمية ذلك المكان وعلاقته بالكيانات الأخرى المحيطة به، أو اعترافهم به، أو على الأقل إقرارهم بوجوده ومدى قدرته على عقد الاتفاقيات «الدولية»، من نوع أو آخر، واستقرار الحكم فيه. وكل هذا ما لم يتوافر للكيان الكويتي إلا في أواخر القرن الثامن عشر، واستقرار وتوطيد وضعه مع بداية القرن العشرين. وبالتالي يمكن القول إن هجرة غالبية مكونات الشعب الكويتي بدأت قبل 150 عاما تقريبا، وتسارعت هذه الهجرة مع استقرار الدولة في ذروة عهد الشيخ مبارك الصباح (1840 - 1915).
وقد هاجر سكان الكويت اليها من خمس مناطق رئيسية: هضبة نجد، بادية الجزيرة العربية، السواحل الجنوبية الشرقية من فارس (إيران)، القرى والسواحل الشرقية من الجزيرة العربية (الأحساء والقطيف) وأخيراً العراق، بما فيها مدينة الزبير. كما قدم اليها آخرون، وإن بأعداد أقل، من البحرين والإمارات وقطر وتركيا. كما حصل على حق حمل جنسيتها تاليا، وان بنسبة صغيرة، من تعود اصولهم الى فلسطين ومصر والأردن ولبنان، من مسلمين ومسيحيين.
وجاء شيعة الكويت في غالبيتهم من ثلاث مناطق: السواحل والمدن الجنوبية من إيران (بر فارس)، الأحساء، ومن العراق ونسبة أقل بكثير من البحرين.
بدا التوجس، او التحسس من وضع الشيعة في الكويت، وبالذات الذين تعود أصولهم لإيران والأحساء مع التجربة الديموقراطية البدائية في عام 1921. فبعد وفاة الشيخ سالم المبارك الصباح في 1921، أدركت الطبقة التجارية أن استمرار سياسة الحكم المنفرد ستؤدي إلى خسارتهم للأموال والأرواح، وبالتالي قاموا بإبلاغ الحاكم بأن يكون لهم دور وكلمة في شؤون البلد (مذكرات خالد العدساني).
وهكذا جاء مجلس 1921، والذي تعين فيه على الحاكم استشارة اثني عشر شخصا يمثلون وجوه وتجار الكويت وأصحاب الرأي، ستة من منطقة الشرق ومن يماثلهم من منطقة القبلة، وجميعهم جاءوا إلى المجلس عن طريق الاختيار وليس الانتخاب. ولكن سرعان ما كثر الشجار بينهم، مما دعا الحاكم الى حل المجلس بعد شهرين. ثم جاء عام 1938، واشتدت مطالبة «الأطراف الوطنية»، وغالبيتهم من البيوتات التجارية، بضرورة مشاركة الحاكم في الحكم، وتنظيف الإدارة الحكومية من البطانة الفاسدة (مذكرات العدساني). وقد تعاطفت شخصيات مؤثرة داخل أسرة الحكم مع مطالب هؤلاء، وبالتالي كان لا بد من الإنصات إليهم.