روح النص وليس متنه ( مقال ممنوع من النشر)
يحتاج الجسم البشري لعدد محدد من ساعات النوم، والتي تختلف قليلا من شخص لآخر، ومن عمر لآخر، ولكن الغالبية بحاجة لسبع ساعات نوم متواصلة، بعدها لا يستطيع الإنسان السليم البدن الاستمرار في النوم. كما أن قطع الاستغراق في النوم مرة أو اكثر، لأداء عمل أو قضاء حاجة، أمر لا ينصح به أبدا وله مضاعفات سلبية، فكلما كان النوم متصلا كلما كانت الفائدة أكبر والذهن أكثر صفاء بعدها.
وفي بداية قيام المجتمعات، وقبل دخول الكهرباء عليها، كان البشر يخلدون للنوم مبكرين، في الثامنة أو التاسعة مساء مثلا، وهذا يعني أنها مجبرون، بحكم طبيعة الجسم، لأن يستيقظوا من النوم بعدها بسبع أو ثمان ساعات، وفترة الاستيقاظ المبكرة جدا هذه هي الفترة التي بدأت فيها مختلف العقائد الدينية، منذ القدم، بمطالبة اتباعها ممارسة طقس ديني ما خلالها كالصلاة، وهذا نراه لدى البوذيون والهندوس والمسلمين ورهبان المسيحية، ومئات ملايين البشر الآخرين وغيرهم في المدن والقرى والأديرة والصوامع!
ثم دخلت الكهرباء، والإضاءة الصناعية تاليا، بمختلف انواعها، في حياة البشر، بالتدرج وصولا للمرحلة الحالية التي نعيشها، وكانت سببا في تحول ليل الكرة الأرضية لنهار. كما فرضت الحياة العصرية نسق معيشة مختلف وجديد على البشر، حيث برزت الحاجة للقيام بوظائف وأعمال يتطلب أداؤها أوقات غير التي كان الإنسان معتادا عليها منذ آلاف السنين، فهناك أعداد متزايدة من الطيارين وسائقي القطارات والحافلات والأطباء والممرضين وعمال المناجم والنظافة ورجال الأمن والمخابرات والخفارة والاسعاف والمخابز وتوزيع الصحف وآلاف الأعمال المدنية أو العسكرية الأخرى التي لا تعتمد على أوقات عمل كلاسكية، والتي تجبر القائمين عليها للبقاء في يقظة في وظائفهم وعدم العودة، مثل غيرهم لبيوتهم، في الأوقات الكلاسيكية المعروفة.
أدى هذا الوضع لتغيرات هائلة في نمط معيشة وسلوك هؤلاء البشر، والتأقلم مع الوضع الجديد، ولم يشذ عن ذلك غالبية مسلمي العالم، سواء في الدول الأكثر تقدما في الصناعة والسياحة كتركيا وماليزيا واندونيسيا، أو بين مسلمي أوربا الذين تغير نمط حياتهم في السنوات الخمسين الأخيرة رأسا على عقب، والذين أصبحت صلاة الفجر بالنسبة لهم طقسا لا يمكن غالبا القيام به في موعده، إن بسبب ظروف العمل، أو نمط حياتهم المتسارع، خاصة في المجتمعات الصناعية المتقدمة، وكان على من يرغب في الإلتزام بها دفع ثمن ذلك من صحته أو طريقة أداء عمله، وذلك بسبب صعوبة المواءمة بين متطلبات العصر والحياة المتسارعة وبين ما هو مطلوب منهم دينيا القيام به من طقوس في مواعيد محددة. وبالتالي كان من الضروري الخروج بنصوص دينية واضحة تبرر طريقة الحياة العصرية وتقلل من معاناة الملتزمين بنص الدين، فالعبرة بروح النص وليس بمتنه.