الحرث الجماعي في بحر الجهل
تظهر مختلف مؤشرات الفساد والنزاهة والشفافية في دول العالم «كافة» بأن الدول الأقل تديناً، كالدول الاسكندنافية مثلا، التي تبلغ فيها نسبة من لا يرتادون الكنائس أكثر من %80 هي التي تتصدّر، سنة بعد أخرى، قوائم النزاهة الحكومية والاستقامة الوظيفية، والالتزام بدفع الضرائب، والحرص على المال العالم. ونجد العكس تماماً في بعض الدول الأكثر تمسكاً بالمظاهر الدينية، حيث نجد فيها أنظمة قضائية بعضها مرتشية، وتحايلاً متجذراً في التهرب من الضرائب، وفساداً أخلاقياً يتمثل في النسب العالية من التحرش الجنسي، والاعتداء على النساء والأطفال جسدياً وجنسياً، وسوء طبقة السياسيين فيها وخراب حكوماتها، وبالرغم من ذلك لا تتورع وسائل إعلام هذه الدول أو المجتمعات عن إلقاء مسؤولية الفساد والخراب الأخلاقي على نقص التدين!
ولو ألقينا نظرة، ولو غير ثاقبة، على وضع مجموعة عشوائية من دول العالم، لوجدنا مدى دقة هذه الملاحظة، فحتى بين الدول الأوروبية المتقدمة، الأقل فساداً، نجد أن الأكثر تديناً بينها، كأسبانيا واليونان مثلاً، هي الأكثر فساداً في محيطها، والعكس صحيح!
وبالتالي، فإن ما تحتاجه دولة مثل الكويت، التي عاثت الأحزاب الدينية تخريباً في عقول ناشئتها على مدى جيل كامل، هو تمدين مناهجها الدراسية من خلال التركيز بقوة على المواد الأخلاقية والإنسانية، الأمر المعدوم حالياً، وضرورة تحرير وسائل الإعلام من قبضة الأحزاب الدينية، والسماح للمسرح وبقية الفنون بالقيام بدورها التثقيفي والتنويري، وهو الدور الذي لم ينجح وزير الشباب والإعلام حتى الآن في القيام به، وبغير ذلك فإن التطرف سيستمر والخراب الأخلاقي سيتجذر أكثر. وإن لم يتم تلاحق الأمر سريعا، فلن يكون بالإمكان معالجة الوضع أبدا، وستصبح الكويت، مع تناقص دخلها، الريعي أصلاً، وزيادة التزاماتها المالية، أرضاً أكثر خصوبة لتطرف ديني سيأكل ما تبقى من يابس قليل.
لقد طالبت قبل عشر سنوات تقريباً بأنسنة فهمنا للدين من خلال تعديل المناهج الدراسية، وكان ذلك في أول لقاء لي في قناة الجزيرة (الاتجاه المعاكس)، وكدت أفقد حياتي بسبب تلك المطالبة العاقلة، ولا أزال أنادي بهذا، فليس هناك حل غير ذلك، فكل ادعاءاتنا بأننا أفضل الخلق وأحسن الناس فهماً، لم تفدنا بشيء، بل ألبت العالم علينا، وسيدت الجاهل فينا. فهل وصلت الرسالة بعد كل الأحداث الخطيرة التي مرت بها الكويت وجاراتها، أم أن حكومتنا لا تزال تحرث في البحر، ونحن معها؟
* * *
ملاحظة: نقلت القبس عن صحيفة «الرأي» الأردنية أن قيادات من إخوان مصر التقت برئيس «داعش»، أبو بكر البغدادي، وطلبوا مساعدته في مصر! وبالرغم من مرور أكثر من شهر على خبر الرأي لم يصدر عن إخوان مصر، أو وكلائهم في الكويت، أي نفي للخبر. فأين الحقيقة؟