إصلاح الحال من المُحال
بناء على «مؤامرة» حكمت بريطانيا العراق من 1918 إلى 1921، وبمؤامرة تالية أصبح فيصل ملكا عليه، واقتنعت بريطانيا بإنهاء انتدابها في 1922، وبعدها بـ9 سنوات تم اكتشاف البترول، ووقع العراق على اتفاقيات التنقيب مع عدة دول أوروبية. ولكن فيصل توفي، وبفعل مؤامرة جديدة اصبح غازي ملكا وقام بإلغاء الأحزاب وحكم البلاد بقوة السلاح، ثم بفعل مؤامرة قتل غازي عام 1939 في حادث سير غامض، وكان هو أول من زرع بذرة تابعية الكويت للعراق في عقل المواطن العراقي البسيط! تولى ابنه فيصل الحكم وهو صغير، وأصبح خاله، وبمؤامرة بريطانية، وصيا على العرش، ونوري السعيد رئيسا للوزراء، ولكن، بمؤامرة ألمانية مضادة قام رشيد الكيلاني بالانقلاب على نظام الحكم الموالي لبريطانيا، ولكن مؤامرة إنكليزية أفشلت انقلابه. وبمؤامرة من روسيا قام الأكراد بأولى ثوراتهم، التي استمرت من 1945 إلى 1947، قام العراق بعدها بالدخول في اتفاقية أمنية مع بريطانيا وباكستان وإيران، ودخل في اتحاد فدرالي مع الأردن عام 1958، ولكن مؤامرة جديدة أسقطت الحكم الملكي بعدها بأشهر قليلة، وقتل الانقلابيون الملك فيصل وخاله عبدالإله ونوري السعيد والكثيرين غيرهم. وبمؤامرة أصبح عبدالكريم قاسم رئيسا للوزراء، وانسحب العراق من حلف بغداد وفركش اتحاده مع الأردن، وأعلن «ضم» الكويت اليه، بعد استقلالها عن بريطانيا. ولكن حزب البعث، وبمؤامرة جديدة أطاح عبدالكريم قاسم في فبراير 1963، وأصبح عارف رئيساً للعراق، وبعدها قتل بمؤامرة ليصبح اخوه عبدالرحمن رئيسا. وايضا بمؤامرة عاد حزب البعث في 1968 الى الحكم، وخرج منه، وقام بانقلابه الثاني أو الألف، وأصبح البكر رئيسا، ونجح في توقيع اتفاقية «تهدئة»مع الأكراد، ومنحهم حكما ذاتيا، ولكن بفضل مؤامرة خارجية عادت المشاكل في مارس 1974 مع الأكراد، بدعم من إيران. وإثر تقديم العراق بعض التنازلات المتعلقة بالخلاف الحدودي مع إيران والتوقيع على اتفاقية الجزائر سنة 1975، توقفت إيران عن دعم ثورة الأكراد، وتمكن العراق من السيطرة عليهم، إلى حين. وسعى البكر لإنشاء وحدة مع سوريا، ولكن في عام 1979 تآمر صدام عليه وأصبح دكتاتور العراق الجديد، وبمؤامرة قام الخميني بثورته عام 1979 واعترف العراق بالحكم الجديد.
مسلسل «المؤامرات الافتراضية» على العراق طويل ومزعج، ونحن نتكلم هنا فقط عن حقبة قصيرة من تاريخ العراق، ولو طبقنا الأمر ذاته على معظم الدول العربية، خلال نصف القرن الماضي، لوصل عدد هذه المؤامرات للآلاف، فكيف لم نتعظ أو نتنبه لها؟ ولماذا لم نحسب حسابها ونحاول تجنبها وأخذ الحيطة منها؟ وبالتالي فالخطر ليس في تآمر الآخرين علينا، بل في غبائنا وقلة حيلتنا وهوان وضعنا.
من هنا يمكن القول إن نجاح داعش، حتى الآن، لا يعود لمؤامرة بقدر ما يعود لضعف معظم كياناتنا السياسية، وهزال ثقافاتنا وانعدام الحرية والديموقراطية في أغلب أوطاننا.