إيبولا وحرق الزرع
يعتبر فيروس إيبولا المنتشر في غرب القارة الأفريقية الأخطر والأكبر، علما بأن العالم عرفه عام 1976، ولكنه استشرى مؤخرا حاصدا أرواح الآلاف في ليبيريا وغينيا وسيراليون، وجميعها تفتقر الى ابسط المستلزمات الطبية في القرى والمناطق النائية منها، مما يجعل السيطرة على انتشار الفيروس أمراً صعباً للغاية. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في جنيف أن إيبولا أصبح «خطراً صحياً عالمياً، فحتى أميركا لم تأمن شره بعد ان وصلها مصاب به. وبالرغم مما يقال عن وجود حرب ضروس بين العالم وهذا المرض، فإن الحقيقة أن الدول الغربية وحدها المعنية بالقضاء عليه، بعد أن تجاوز عدد ضحاياه الـ4000 مؤخرا، هذا غير عشرات آلاف المصابين به. وذكرت منظمة الصحة أن عدد ضحايا هذا الوباء سيصل لأكثر من 20 ألفاً، إن لم تتم السيطرة عليه قبل نهاية الشهر المقبل، علما بأن العالم لا يمتلك حتى الآن علاجا أو مصلا مضادا لهذا الفيروس الخطير.
العجيب في الأمر، او ربما الطبيعي، أن الجهات الوحيدة التي تحاول فعل شيء لإيجاد علاج لهذا المرض، أو التي تبرعت للدول المتضررة التي شل الوباء اقتصاداتها وجمد كل شيء فيها، أو الذين قاموا بالتطوع للعمل في مستشفياتها من أطقم طبية وتمريض، هم جميعا من الدول الغربية، والأوروبية بالذات.. وإسرائيل! وهذا لا يعني فقط تقاعس دول كالصين والدول الإسلامية والعربية الغنية عن فعل شيء، بل وحتى بقية دول العالم، وقد يكون الأمر متوقعا منها جميعا تقريبا، فلكل منها حساباتها ومصالحها ومشاكلها الرهيبة، ونظرتها للأمور. ولكن ما هو عذر معظم الدول الإسلامية، والعربية الغنية بالذات، التي تصرف مئات ملايين الدنانير على قنوات فضائية دينية، من مختلف الطوائف، مخربة للنفوس والعقول؟ الجواب طبعاً لا شيء، بل انفردت هذه الدول بالدعاء على تلك الدول التي شاركت وساهمت، وخاطر مواطنوها في القضاء على ذلك الوباء المعدي والخطير، أو على الأقل احتوائه، بـ«استمرار» الدعاء عليهم من على منابر المساجد والقنوات الفضائية الدينية، ومناهج المدارس، داعية الى أن يحرق الله زرعهم، اي الغربيين، وييتم اطفالهم، أي الإسرائيليين، ويرمل نساءهم، أي الدانمركيين المسيحيين، ويجفف آبار مياههم، اي الاستراليين، ويفني نسلهم، اي النيوزيلنديين، وأن وأن..! وهذا ما اعتدنا على سماعه في العقود القليلة الماضية!
ولكن ما الذي سيكون عليه موقف هؤلاء الخطباء والدعاة إن وصل ذلك الوباء، او ما يماثله لأوطانهم؟ حينها ما الذي باعتقادهم سيأتي لنجدتنا؟ أليس الغرب بمختبراته واطبائه وممرضيه ومتطوعيه؟ ألا نستحي ونتوقف عن إطلاق مثل هذه الأدعية، ونحن بكل هذا العجز الطبي والعلمي والصناعي؟ ألا تخجل معظم حكوماتنا من ترك هؤلاء الجهلة يطلقون مثل هذه الأدعية؟ الجواب.. لا طبعا!