العدالة العمياء
تعتبر الجهات الموكلة بتحقيق وتطبيق العدالة صمام أمان أي مجتمع. وكلما كانت العدالة محصنة من التأثر بآراء الخصوم أو أصحاب المصالح والنفوذ، كانت أحكامها أكثر عدالة. ولهذا يرمز إلى العدالة عالمياً بتمثال امرأة تمسك بيدها اليسرى سيفاً وبالأخرى ميزاناً متساوي الكفتين. وهذا الرمز جاء من تقليد فرعوني قديم انتقل بعدها إلى اليونان والرومان، ويشير إلى آلهة العدالة. ومع نهاية القرن الخامس عشر، أصبح تمثال امرأة العدالة مغطى العينين، في إشارة إلى حيادية وموضوعية أحكام المحكمة، من دون خوف أو تحيز لطرف ضد آخر. وفي اليونان القديمة، كانت المحاكمات تجرى في قاعات خالية من أي إنارة، لكي تكون الأحكام مجردة، وغير متأثرة.
وتصبح مشكلة القضاء أكثر تعقيداً إن كان الجهاز المساعد في وزارة العدل، المعنية بتطبيق العدالة والسير في إجراءاتها، من طباعة أحكام والاستدلال على عناوين الخصوم، مترهلاً أو فاسداً، هنا تصبح العدالة عرجاء أو غير ذات أهمية، فحكم غير منفذ أو حكم يتأخر تنفيذه كثيراً لا يعني في غالب الأحيان الشيء الكثير!
وبالتالي، كان محزناً ومربكاً اكتشاف حالات فساد في وزارة العدل قبل فترة، وإحالة بعض موظفي الوزارة إلى النيابة بسبب تهربهم من العمل وتزوير بصمات حضورهم الدوام بطريقة شريرة، وقبض رواتبهم من دون وجه حق، وهو أمر وجرم محرم دينياً وأخلاقياً وقانونياً، خصوصاً في وزارة معنية بتحقيق العدالة!
إن مهمة السيد وزير العدل يعقوب الصانع ليست سهلة، فقد تأثر عمل هذه الوزارة الحيوية، كغيرها من الجهات التي سيطرت عليها القوى الدينية المسيسة، سلباً. كما توظيف الكثير من المنتمين إلى تلك الأحزاب الدينية فيها. وعلى عاتق الوزير تقع مسؤولية تطوير عمل الوزارة وميكنة أنشطتها، والتخلص من طاقمها المترهل.
وفي جانب آخر ورد في القبس، قبل أسابيع قليلة، أن احدى الشركات، أعلنت أن إدارتها السابقة استولت على أموال الشركة، وأن حجم المبالغ المختلسة قد قارب المليار دولار، وهو مبلغ يفوق رأسمال الشركة.
إن قضية هذه الشركة مثال كلاسيكي يبين أن سيطرة جماعة دينية، منتمية إلى حزب سياسي ما، على مقدرات وزارة أو هيئة أو حتى شركة خاصة أو مساهمة لا يعني أبداً أنها محصنة وغير قابلة، لأن أغلب من يديرون الشركة هم من غلاة المتدينين. كما أن ضخامة المبالغ المختلسة تتطلب تحركاً سريعاً لكي لا يضيع ما تبقى في هذه الشركة، البائسة في إدارتها، والسيئة الحظ بمساهميها، من أموال.