عليك بهم.. ولكن ماذا عن أدويتهم؟
«...اللهم عليك بالرافضة وبالشيوعيين وباليهود والنصارى. اللهم عليك بالظالمين. اللهم فرّ.ق جمعهم، وشتّ.ت شملهم، وأضعف قوتهم، وأدر عليهم دائرة السوء، اللهم يا حي يا قيوم. اللهم مكّ.ن إخواننا المجاهدين من رقابهم، الله مكّ.ن لهم وأعنهم..».
* * *
هذا جزء من دعاء ألقي قبل أيام خلال صلاة الجمعة، وبحضور عشرات آلاف المصلين، وعشرات كاميرات التلفزيون.
ليس مهماً دعاء هذا «الإمام» على الرافضة، ففيهم ما يكفيهم. ولا أعتقد أن الشيوعيين بحاجة لمن يدعو عليهم بعد أن ذهبت ريحهم، وتفرَّق شملهم، وأصبحوا شذرا مذرا.
كما أننا نتفق مع «الإمام» في دعائه على الظالمين، وان يفرق الله جمعهم ويشتت شملهم، فهذا امر مستحب ومطلوب، فليس هناك من يحبهم أو يتعاطف معهم، ويا ليت يمكّن «إخواننا المجاهدين» من رقابهم.
ولكنني مهتم هنا بدعائه بأن يمكن الله أيضا «إخوتنا المجاهدين»، أو بالأحرى «داعش والقاعدة» من رقاب اليهود والنصارى! فهؤلاء، وخاصة يهود اميركا وأوروبا الغربية، وحصرا ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا وإيطاليا، إضافة لمسيحيي استراليا وكندا، هؤلاء هم الذين أعطوا هذا الخطيب السجادة التي يقف عليها، واخترعوا المايكروفون الذي أوصل به دعاءه لمئات الآلاف، وأعطوه الآلة التي بثت الدفء في أوصاله ليقول ما قاله، وصنعوا السيارة التي وصل فيها للمسجد، والتي ستقله عائداً لبيته، وهم الذين صنعوا له فراشه ومرحاضه، وأبواب بيته واقفال خزانته، وصابون حمامه، ونعال قدميه، وحرير ملابسه، وزينة نسائه. كما أنهم الذين اخترعوا وصنعوا أعقد الأجهزة الطبية، واكتشفوا أفضل الأمصال والأدوية، التي شفي منها مئات ملايين المسلمين، وبغيرها ربما كانوا سيموتون لسوء العلاج.
وهؤلاء الذين يدعون أن يمكن الله «إخوتنا المجاهدين» من رقابهم لكي يحزوها كرقاب النعاج، هم الذين اكتشفوا نفطنا، واستخرجوه من باطن أراضينا، ونقلوه وكرروه واشتروه منا، ودفعوا لنا مئات تريليونات الدولارات ثمناً له، لكي نصاب بالتكبر والعنجهية، ونلقي اللعنات السوداء على رؤوسهم، وندعو ونطلب أن يمكن الله إخوتنا المجاهدين من رقابهم.
ولكن لو حزت رؤوس هؤلاء فمن الذي سيصنع لنا سياراتنا وقطاراتنا وطائراتنا، ويصنع قطع غيارها، ويزود مستشفياتنا بالأسرة والأجهزة. ويعطينا المعدات لمختلف صناعاتنا البدائية، ويملأ مكاتبنا بالكراسي والكمبيوترات، ويغطي مساحات بيوتنا بالسجاد والمفروشات، ويداوي أمراضنا ويشفي عيوننا التي اصبحت لا ترى الحسنات.
من حق هذا الخطيب أن يدعو على من يشاء، ولكن ليترك لنا، وبقية سكان الكرة الأرضية، اليهود والنصارى، الذين لا يستطيع حتى أكثر الناس جحودا وكراهية للبشر أن ينكر فضلهم، وأسبقيتهم واكتشافاتهم واختراعاتهم، والأهم من ذلك إنسانيتهم، فهم الذي احتضنوا وآووا، في عام واحد، اكثر من مليون لاجئ مسلم في بلدانهم، يوم رفضنا استقبال حتى واحداً منهم! فكيف ندعو بعد كل هذا أن يمكن الله «إخوتنا المجاهدين» من حز أعناقهم؟
* * *
ملاحظة: نتمنى أن يكون تعيين «سميرة أحمد السيد عمر» بمنصب مدير معهد الأبحاث، بداية نهاية التخبّط في التعيينات. وكأني أرى بصمات المرحوم أحمد بشارة في قرار اختيارها، والشكر موصول لوزير التربية.
أحمد الصراف