الربط السيئ
ورد في كتاب للأديب الفلسطيني الراحل ناصر النشاشيبي أنه أراد يوما الانتقام من اليهود (الإسرائيليين)، الذين سلبوا وطنه، فجلس في مقهى اوروبي مكتظ، وكان ذلك في أواخر الخمسينات، وأمر النادل، بصوت مرتفع سمعه جميع رواد المقهى، أن يحضر فنجان قهوة بالحليب والكثير من السكر. عندما جاء طلبه دلق كل السكر في الفنجان ووضع سبابته في السائل الساخن وأدار المحتوى! وكان الجميع ينظر له باستهجان، فنهرهم قائلا انه جاء للتو من إسرائيل، وهذه عاداتهم هناك.
* * *
قامت جهة لديها أموال سهلة لا تعرف ما تفعل بها، والتي ينطبق عليها المثل المصري «اللي عنده قرش محيره يشتري حمام ويطيره»، قامت بتثبيت آلاف، وربما عشرات آلاف اللوحات التي تحمل معاني دينية على الطرق السريعة، في مخالفة صريحة للقانون.
ولا شك أن صنع هذه اللوحات، ودهانها والكتابة عليها، ونقلها وتثبيتها في الأرض، على مسافات مئات الكيلومترات، على جانبي الطرق السريعة قد كلف تلك الجهة مبالغ كبيرة جدا؛ كان يمكن أن تصرف على امور أكثر جدوى وفعالية، خاصة من الناحية الدينية! فالصرف على تعليم أطفال البدون «المسلمين» أفضل بالفعل من وضع لوحات لا تسمن ولا تغني من جوع، تمر بها الأعين احيانا، ولا تعرف كيف تستفيد منها، خاصة إن كانت تدور حول أمور بديهية!
وفي السياق نفسه، قامت «المرور» قبل فترة بمنع الكتابة على المركبات أو وضع ملصقات عليها، لكنها تغاضت عن الكتابات الدينية، كتغاضيها عن قيام المنقبة بقيادة السيارة. والاعتراض ليس على الكتابات بحد ذاتها، وكونها مخالفة للقانون، ولكن بسبب ما يصدر «غالبا» على من يضعها على مركبته من تصرفات رعناء أثناء قيادتهم لمركباتهم، واستخدامهم المستمر والمخالف لكتف الطريق. فمزعج حقا أن ترى من يغطي الزجاج الخلفي لسيارته بمواعظ دينية، ويكسر كل قواعد المرور، ويتصرف باستهتار واضح، خاصة على الطرق السريعة، ويقود سيارته «الجيمس غالبا» بأقصى سرعة، من دون استخدام الإشارة، او احترام لبقية مستخدمي الطريق، وكأنه يقول للجميع انه ملتزم دينيا، ولو ظاهريا، ولكنه، وهذا لسان حاله، لا يعني ذلك أنه مجبر على الالتزام بقوانين المرور. وهذا ما سمعته شخصيا من رجل تجاوزني في الطريق بطريقة خطرة والتقيته في محطة الوقود، وعندما سألته عن التناقض بين رعونة تصرفه، والمواعظ على مركبته، قال ان لا علاقة لملصقاته بطريقة قيادته.
وعليه نوجه نداءنا لمدير عام المرور، اللواء عبدالله المهنا، المسؤول المخلص، للمطالبة بأن يحمي الدين، الذي يغار عليه، ويقوم بإزالة كل الكتابات الدينية على المركبات، لكي لا يربط الآخرون، مسلمون أو غيرهم، بين قراءتها على المركبات وربطها بقلة خلق ورعونة من يقود تلك المركبات.
أحمد الصراف