علمني كيف أصطاد
يقول المثل الصيني «لا تتصدق عليّ بسمكة.. بل علمني كيف اصطاد!».
ورد في الصحف قبل شهر تقريباً أن سفارة الكويت في كمبوديا وضعت حجر الأساس لمشروع التوسعة الثانية لمعهد الكويت الإسلامي للبنات في احدى محافظات كمبوديا، بتكلفة مليون دولار أميركي.
وبما أن السفارة مشغولة، وطاقمها لا «مقاقة» أو خبرة له في مواضيع البناء، فقد تم تسليم البناء وإدارة المعهد لإحدى جمعيات ممثلي السلف في الكويت! وبما أنهم هم الذين سينفذون المشروع ويديرونه تاليا، فهذا يعني أن الدراسة فيه ستكون سلفية، ويعني أيضا أن الحكومة تقوم بكل علنية بزرع الشقاق الديني في العالم بأموالها وإرادتها. كما أن هذا المشروع ستستخدمه الجمعية لجمع المزيد من التبرعات، الأهلية والحكومية لنفسها، والدعوة لفكرها! وقريباً سنرى ظهور الفكر السلفي في المجتمع الكمبودي، البوذي غالباً، وسنرى فتيات سلفيات في شوارع «فنوم بن»، يتعاركن مع مسلمات من جماعات أخرى، وكأن هذا ما كان ينقصنا وينقص كمبوديا.
يبلغ تعداد كمبوديا أكثر من 15 مليون نسمة، وتبلغ نسبة البطالة بين القوى القادرة على العمل حوالي الـ30 في المئة في دولة تحتاج لكل شيء، بعد أن مزقتها حروبها الأهلية، وجعلتها في الدرك الأسفل، وآخر ما تحتاجه هو قيام مؤسسة دينية بتعليم البنات اصول الدين، فما الذي ستفعله الفتيات بما تعلمنه، إن كن سيبقين عالة على أهاليهن؟
إن المسلم الكمبودي بحاجة ماسة الى مشاريع منتجة ومصانع تمتص الأيدي العاطلة، ولكن يبدو أن ثقافتنا، المقتبسة من صميم عاداتنا وتقاليدنا، لا تعرف في الصناعة والتنمية شيئا، ولا «خلق لها» على إقامة مشاريع منتجة، بل جل ما تعرفه هو إنفاق ما يصل لها من أموال على التعليم الديني، الذي قد يكون مهماً، ولكنه حتما هو آخر ما يحتاجه مجتمع متخلف يبحث عن فرص العمل لمئات الآلاف. كما أن الصرف على المعاهد الدينية لم يجلب لنا وللعالم إلا مزيدا من الفرقة والتطرف.
والغريب أن سبب عزوف الجمعيات المسماة بالخيرية عن بناء المدارس والمعاهد المهنية، داخل الكويت وخارجها، لا ينطلق فقط من صعوبة تأسيسها وإدارتها، مقارنة بسهولة تأسيس مدرسة دينية بسيطة المنهج، بل يعود الى حقيقة إيمان هؤلاء بأن التعليم الديني هو العلم الحقيقي، وان الأجر الأخروي هو في بناء المساجد والمدارس الدينية، وليس في بناء المصانع والمعاهد العلمية. وخير دليل على ذلك خبر القبض على النصاب، الذي تنكر في زي «سيد شيعي»، وخطيب مسجد سني، وحصل على الآلاف منهم ومن جماعة الصوفية في الكويت، قبل ان ينكشف، فهذه الأموال لم تدفع له لفقره، أو لضعفه، وهو المفتول العضلات، بل أعطيت له لكسب الأجر!
• ملاحظة:
نهنئ أنفسنا والقبس على عودة الزميل الكبير عبداللطيف الدعيج إلى الكتابة.
أحمد الصراف