الاستمتاع بالكبر
من يعرف الحياة جيداً يعرف أن لكل عمر جماله وميزته ورونقه، وهنا الكلام موجه بالطبع إلى من تجاوز الستين أو السبعين، فمن هم في عمر الشباب لا يمكنهم مقارنة مرحلة عمرهم الحالية بمرحلة عمر لم يبلغوها، ولكن ربما يفيدهم هذا الكلام في التحضير للقادم من سنوات عمرهم.
لا شك في أن عمر الشباب أفضل من الكهولة بكثير، فما يستطيع ابن العشرين أو الثلاثين أو حتى الأربعين والخمسين القيام به لا يستطيع ابن الستين أو الثمانين فعله. كما أن الحياة، ونحن في عنفوان الشباب، مقبلين بقوة على الحياة، نريد الارتشاف من ملذات الدنيا ما استطعنا، «شيء غير تماماً»! ولكن هذا لا يعني أننا متى ما كبرنا أصبحت الحياة مملة أو رديئة أو قاسية. ففي الكبر متع كثيرة، ومباهج لا تحصى، ولكنها فقط مختلفة عن متع الصبا والشباب. فمتعة قراءة رواية رائعة في العشرين أو الثلاثين من العمر لا تقاس بنفس المتعة ونحن نقرأها بعمر السبعين مثلاً. فتراكم الخبرات والقدرات يعطي عادة قارئ نفس الرواية وهو في السبعين قدرة على فهم ورؤية أشياء في الرواية لم يكن من الممكن فهمها عندما كان صغيراً. كما أن متعة الاستماع إلى معزوفة كلاسيكية أو قضاء لحظات بصحبة أصدقاء حميمين، في العشرين من العمر، ليست كتلك المتعة ونحن في منتصف الستينات، أو حتى الثمانينات من العمر. وصدى صوت ماريا كالاس في الأذن شيء آخر تماماً في السبعين عنه في سني الشباب الأولى، وكذا الأمر مع وجبة «ستيك» رائعة، أو الاستمتاع بمشاهدة فيلم وثائقي، أو النظر لصور عائلية أو تاريخية قديمة، أو الاستماع إلى أغنية «ناستالجا» تعيد الكهل سنوات وسنوات إلى الوراء. كما أن متعة التعايش مع الغير في الكبر، وتقبل اختلافات الآخر، الدينية والسياسية والعقائدية والذوقية، والاستمتاع برفقة الأغراب، والدخول في تجربة الاستماع إلى موسيقاهم وزيارة دولهم وتناول أطعمتهم، والاختلاط بهم، جميعها والكثير غيرها، تجعل الحياة أكثر جمالاً وغنى.
كما تصبح العلاقات الأسرية في الكبر ذات معنى، ويصبح لقاء الأحبة جميلاً، وهي مشاعر لا يعرفها صغار السن، الأكثر انشغالاً بتكوين أسرهم وتربية أبنائهم وضمان مستقبلهم.
وكما يقول صديقي سعود «فإن الصداقات والسيجار تصبح أكثر قيمة مع الوقت».
أحمد الصراف