عبيد الواتس أب
لا شك اننا انجرفنا جميعا تقريبا مع تقنية المعلومات، وأصبحنا عبيدا لهواتفنا النقالة، وأسرى ما يردنا من رسائل، على الرغم من أن غالبيتها تتسم بكم كبير من السخافة وقلة الأهمية، ولكننا لا نكتشف ذلك إلا بعد صرف الكثير من الوقت والجهد في محاولة تنزيلها ومشاهدتها.
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي سلاحا ذا حدين، يمكن استخدامه للخير بنشر الهادف من الرسائل، وهذه قلة، ومن يهتم بقراءتها أقل، أو لنشر الشر وتلفيق الأخبار، وبث القصص والفضائح، خيالية أو حقيقية، ولكنها غالبا غير ذات معنى، وتهدف أحيانا للتضليل العام، والتأثير في الآخرين، وغير ذلك من اهداف تخريبية.
لقد سبق أن كتبت عن تجربتي في التخلص من الجيد والسيئ من عاداتي، لرغبتي في الفكاك من اي شيء يقيدني. والسبب انني لا اريد ان اكون تحت سيطرة أو تأثير اي عامل خارجي. ولكن انتبهت أخيرا، ومع سيل الرسائل التي تردني على الواتس اب، والتي تتجاوز أحيانا الألف يوميا، انني اصبحت أضيع الكثير من الوقت في متابعة ما يردني من رسائل. واكتشفت أن حياتي قبل استلامها، كانت أكثر جمالا وإنتاجية، ولكنها أصبحت أكثر توترا مع كل هذا الكم من الأخبار.. والتفاهات.
كما اصبحت اقل «أدبا وذوقا» في الجلسات العائلية والاجتماعية، وانا منشغل عن أهلي واصحابي، بمتابعة حريق في منشأة حكومية او «هوشة» في طائرة، أو ضربة كرة مرمى.
يقول الصديق والقارئ توفيق عوض إنه اصبح يشعر بالخجل عندما ينشغل عمن حوله برسائل الواتس، وأنه قرر أن يفك اسره، ويترك الهاتف في السيارة، أو يغلقه إن كان في جلسة، احتراما لنفسه والحضور. ويقول إن الكثيرين اصبح لهم عالمهم الخاص، مع استمرار انشغالهم بالهاتف، الذي أصبح يشكل خطرا عليهم، بعد أن تحولت التسلية لإدمان، وأصبح الهاتف عامل تباعد بين الناس بعد ان كان عامل تقريب، بحيث أصبح الواحد منا في جلسة يتواصل مع غير الموجود، ويتجاهل الموجودين، وإن هذا منتهى قلة الأدب.
كما لا حظت في محيطي العائلي أن الكثير من الآباء والأمهات يدفعون صغارهم، بالذات، للانشغال باللعب في الهاتف النقال، لكي لا يزعجوهم عن متابعة مباراة كرة قدم او مسلسل تركي، وهذا يتضمن جريمة بحقهم، وحق الإنسانية.
وعليه قررت من اليوم مقاطعة «الواتس أب» تدريجيا، بعد ان تكونت لدي فكرة عن طبيعة المواد التي تردني من الكثيرين، أو من خلال القروبات، وإلغاء غالبية ما يردني، وعدم تضييع وقتي على ما لا يستحق فعلا انتظار تنزيله ومشاهدته. ولو قام أكبر عدد منا بالشيء نفسه، فسيقل كثيرا عدد الرسائل التي تنتقل من هاتف لآخر، وغالبا في تكرار ممل، وخاصة السخيفة منها، وسيكون لوقتنا قيمة أكبر.
يقول اينشتاين: أخاف اليوم الذي تتجاوز فيه اهتماماتنا بالتكنولوجيا تفاعلنا الإنساني، عندها سيصبح العالم جيلا من الأغبياء.
أحمد الصراف