أهلاً بالرئيس
بصرف النظر عما نعتقده في دونالد ترامب، لكنه سيبقى الرئيس الأميركي الجديد لأربع سنوات، على الأقل، وقد تطول لأربع أخرى، وبالتالي علينا التعايش مع الأمر. نقول ذلك على الرغم من أن أي رئيس أميركي لم يواجه قط موجة رفض وكراهية، محلية ودولية، كالتي لقيها ترامب. فلأول مرة في أميركا تتفق الأقليات الدينية والعرقية والصحافة، والفنانون العالميون، وغالبية السياسيين حتى من الحزب الجمهوري، على رفض سياسات ترامب، وأدى كل ذلك الى انقسام واستقطاب حادَّين داخل مكوّنات الشعب الأميركي.
ولكن يصعب علي ـــ ولن يفيدني ـــ وضع نفسي مكان شعبه، فهو الذي اختاره، ولا وضع نفسي في مكان جيرانه المكسيكيين والكنديين، الخائفين منه، ولا في مكان منافسي أميركا التاريخيين، الصين وروسيا، المتوجسين خيفة من تهوره، ولا في وضع نفسي في مكان شركاء اميركا التجاريين الكبار، كالهند والبرازيل، الجاهلين بما سيكون عليه مصير تعاقدتهم معها، ولا في وضع حلفاء أميركا الاستراتيجيين، كالاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فهم أولى بهذا مني، بل أنا معني بسياسات ترامب المتعلقة بمنطقتنا.
فمن الواضح أن غالبية الدول العربية والإسلامية فشلت في «تربية» أبنائها، ومنعهم من دفع العالم أجمع الى كراهيتنا، والخوف منا.
والحقيقة الأخرى أننا نجحنا، بطريقة غير معقولة، في إبقاء مناهج مدارسنا، التي خربت عقول عشرات الملايين من شبابنا، ودفعت عشرات آلاف غيرهم للتحول لإرهابيين، أبقتها، كما هي، من دون تطوير، لأكثر من أربعين عاما.
والحقيقة الثالثة أن الفساد السياسي والمالي ينخر في جسد معظم الدول العربية والإسلامية، وما شكله، ويشكله ذلك من ضغوط على شريحة الشباب، ودفعهم إلى التطرف.
كما أن الدول العربية والإسلامية هي الكتلة الكبرى في العالم بعدد ما تتضمنه من بعض الأنظمة التسلطية والدكتاتورية الفاسدة.
وبالتالي من الواضح أننا، وبعد سنوات طويلة من صبر العالم علينا، فشلنا «ذاتيا» في بلوغ مرحلة النضج والعقلانية، وأصبح من الضروري الاستعانة بــ«صديق» او عامل خارجي لإخراجنا من الهوة التي نقبع فيها، مقارنة مثلا بالقمة التي تجلس عليها إسرائيل، دع عنك بقية أمم الأرض المتقدمة.
وبالتالي قد يكون ترامب هو المنقذ، فالبديل ما كان سيقوم بشيء جديد، وكانت أوضاعنا ستبقى على ما هي عليه، وبالتالي من المؤكد ان الرئيس الجديد سيحرّك قواربنا، حتى لو عرضها للغرق، وهذا أفضل من بقائها متجمّدة، من دون حراك. فليس من المعقول «مثلا» أن تبقى القضية الفلسطينية منذ عام 1948، كما هي، وشعبها يزداد عددا وعذابا.
لا أميل حتما الى ترامب، ولكني متعب ويائس من تعديل أوضاعنا، بعد أن مرت علينا اكثر من 12 إدارة اميركية، واحوالنا تزداد سوءا، وشبابنا أكثر تخلفا وتشددا، ونحن نمنّي النفس بتغيير ما في كل عهد جديد. وعليه لا يسعني إلا أن أقول: أهلا بترامب، فقد ينجح في ما فشلنا في تحقيقه.
* ملاحظة:
لام البعض قيام أميركا بمنع مواطني سوريا والعراق واليمن، والصومال والسودان، وجميعها عربية، وإيران، من دخول أميركا! ولكنهم تناسوا أن مواطني هذه الدول بالذات ممنوعون من دخول غالبية الدول العربية، وحتى الإسلامية (!) فلِمَ نلوم أميركا؟!
وهل نخطىء ان اعتبرنا حكام الولايات التي تحدت قرار ترامب أكثر انسانية من الكثير من حكوماتنا؟!
أحمد الصراف